responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 206
بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوجَدَ، وَقَوْلُهُ: " لَا تَفْعَلْ " يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ جَانِبِ التَّرْكِ عَلَى جَانِبِ الْفِعْلِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجَدَ، وَقَوْلُهُ: أَبَحْتُ لَكَ فَإِنْ شِئْتَ فَافْعَلْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَفْعَلْ " يَرْفَعُ التَّرْجِيحَ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوجَدَ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ، وَالْمَنْدُوبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوجَدَ، وَيُرَجَّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَذَا مَا أُرْشِدَ إلَيْهِ؛ إلَّا أَنَّ الْإِرْشَادَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوجَدَ، وَيُرَجَّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا، وَالنَّدْبَ لِمَصْلَحَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْوُجُوبَ لِنَجَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ هَذَا إذَا فُرِضَ مِنْ الشَّارِعِ، وَفِي حَقِّ السَّيِّدِ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ افْعَلْ " أَيْضًا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةِ أَمْرٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِغَرَضِ السَّيِّدِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ: " اسْقِنِي " عِنْدَ الْعَطَشِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ.
وَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إلَى أَنَّ وَضْعَهُ لِلْوُجُوبِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِلنَّدْبِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُتَوَقَّفُ فِيهِ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مُشْتَرَكٌ كَلَفْظِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا نَدْرِي أَيْضًا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ أَوْ وُضِعَ لِأَحَدِهِمَا، وَاسْتُعْمِلَ فِي الثَّانِي مَجَازًا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُتَوَقَّفٌ فِيهِ، وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ فِيهِ أَنَّ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا لِوَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعْرَفَ عَنْ عَقْلٍ أَوْ نَقْلٍ، وَنَظَرُ الْعَقْلِ إمَّا ضَرُورِيٌّ أَوْ نَظَرِيٌّ، وَلَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِي اللُّغَاتِ، وَالنَّقْلُ إمَّا مُتَوَاتِرٌ أَوْ آحَادٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي الْآحَادِ، وَالتَّوَاتُرُ فِي النَّقْلِ لَا يَعْدُو أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يُنْقَلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ عِنْدَ وَضْعِهِمْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّا وَضَعْنَاهُ لِكَذَا أَوْ أَقَرُّوا بِهِ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَإِمَّا أَنْ يُنْقَلَ عَنْ الشَّارِعِ الْإِخْبَارُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِذَلِكَ أَوْ تَصْدِيقُ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يُنْقَلَ عَنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، وَإِمَّا أَنْ يُذْكَرَ بَيْنَ يَدَيْ جَمَاعَةٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ السُّكُوتُ عَلَى الْبَاطِلِ.
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ هِيَ وُجُوهُ تَصْحِيحِ النَّقْلِ، وَدَعْوَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ " افْعَلْ " أَوْ فِي قَوْلِهِ " أَمَرْتُكَ بِكَذَا، وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا " لَا يُمْكِنُ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ. كَذَلِكَ قَصْرُ دَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي، وَعَلَى التَّكْرَارِ أَوْ الِاتِّحَادِ يُعْرَفُ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ التَّوَقُّفُ فِي صِيغَةِ الْعُمُومِ عَمَّنْ تَوَقَّفَ فِيهَا. هَذَا مُسْتَنَدُهُ، وَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَسْئِلَةٍ بِهَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ، وَنَذْكُرُ شُبَهَ الْمُخَالِفِينَ.
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ إنَّ هَذَا يَنْقَلِبُ عَلَيْكُمْ فِي إخْرَاجِ الْإِبَاحَةِ، وَالتَّهْدِيدِ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَقْلٌ، وَلَا نَقْلٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْعَرَبِ صَرِيحًا بِأَنَّا مَا وَضَعْنَا هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلْإِبَاحَةِ، وَالتَّهْدِيدِ، لَكِنْ اسْتَعْمَلْنَا فِيهِمَا عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ. قُلْنَا: مَا يُعْرَفُ بِاسْتِقْرَاءِ اللُّغَةِ، وَتَصَفُّحِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ أَقْوَى مِمَّا يُعْرَفُ بِالنَّقْلِ الصَّرِيحِ، وَنَحْنُ كَمَا عَرَفْنَا أَنَّ الْأَسَدَ وُضِعَ لِسَبُعٍ، وَالْحِمَارَ وُضِعَ لِبَهِيمَةٍ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشُّجَاعِ، وَالْبَلِيدِ فَيَتَمَيَّزُ عِنْدَنَا بِتَوَاتُرِ الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ، فَكَذَلِكَ يَتَمَيَّزُ صِيغَةُ الْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالتَّخْيِيرُ تَمَيُّزَ صِيغَةِ الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَالْحَالِ، وَلَسْنَا نَشُكُّ فِيهِ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَمَيُّزُ الْوُجُوبِ عَنْ النَّدْبِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُمْ إنَّ هَذَا يَنْقَلِبُ عَلَيْكُمْ فِي الْوَقْفِ، فَإِنَّ الْوَقْفَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ غَيْرُ مَنْقُولٍ عَنْ الْعَرَبِ، فَلِمَ تَوَقَّفْتُمْ بِالتَّحَكُّمِ؟ قُلْنَا: لَسْنَا نَقُولُ: التَّوَقُّفُ مَذْهَبٌ، لَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلنَّدْبِ مَرَّةً وَلِلْوُجُوبِ أُخْرَى، وَلَمْ يُوقِفُونَا عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الثَّانِي،

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 206
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست