اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 511
وهو أول من صنَّف الكتب في مذهبه, ونشر علمه في جميع الأقطار, ولولاه لم يكن له ذكر ولا لابن أبي ليلى, لا سيما بعدما تولَّى قاضي قضاة بني العباس, وأصبح تسمية القضاة راجعة إليه من خراسان إلى إفريقية، وهو أوَّل من كان له هذا المنصب الخطير الذي هو بعض حقوق الخلافة الإسلامية؛ إذ كان الخليفة يباشر بنفسه فأسنده إليه، وهي التي انحلت فما بعد إلى مشيخة الإسلام.
وقد تولى القضاء لثلاثة من الخلفاء: المهدي والهادي والرشيد الذي كان يجله كثيرًا، ويقال: إنه أول من اتخذ هذا الزي الذي يلبسه العلماء إلى وقتنا هذا, وكان ملبوس الناس قبله شيئًا واحدًا، قاله ابن خلكان، وكان له الفكر العالي في الاجتهاد والفقه, سأله يومًا شيخه الأعمش[1] عن مسألة فأجابه, فقال له: من أين أخذتها؟ فقال: من حديثك الذي حدثتنا به, وأملاه عليه، فقال له: إني لأحفظه قبل أن يجتمع أبواك وما عرفت تأويله حتى الآن.
وكان الفقه أقل علومه, فإنه كان يعلم التفسير والمغازي وأيام العرب وغيرها، ولم يكن في أصحاب أبي حنيفة مثله، رحل أبو يوسف إلى مالك وأخذ عنه بعد أن ناظره في مسائل كان يقول فيه بمذهب العراقيين كزكاة الخضر، ومسألة مقدار المد والصاع، فرجع عنها لقول مالك.
ثم رجع إلى العراق بأفكار أهل الحجاز, فمزجها بمذهب العراقيين، ورجع عن كثير من المسائل إلى رأي مالك, فهو أوَّل من قرَّب بين المذهبين وأزال الوحشة، وبعد أخذه عن مالك وأمثاله اعتبره أهل الحديث محدثًا وأثنوا عليه، قال ابن معين[2]: ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثًا ولا أثبت من أبي يوسف، وقال فيه أيضًا: إنه صاحب حديث وصاحب سنة، واتفق ابن معين وابن حنبل وعلي بن المديني على توثيقه، قال ابن جرير الطبري: وتحامى قوم حديثه من أجل غلبة الرأي عليه من صحبة السلطان وتقلده القضاء, وتكلم فيه ابن المبارك، ووكيع، ويزيد بن هارون، والبخاري، والدراقطني، وغيرهم، بما ينبو عنه السمع، وذكر ذلك الخطيب في تاريخه.
قلت: لذلك لم يمكن له ذكر في الكتب الستة، وكانت ولايته القضاء سنة [1] سليمان بن مهران أبو محمد. [2] يحيى.
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 511