اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 475
ترجمة أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني
...
ترجمة واثلة إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني:
اللسن البليغ الألمعي المصيب، ويكفي دلالة على علمه وفضله أنه كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: أن أجمع بين إياس بن معاوية والقاسم ابن ربيعة الحرشي, فولّ قضاة البصرة أنفذهما, فلمَّا جمعهما قال إياس: أيها الأمير, سل عني وعن القاسم فقيهي المصر الحسن البصري، وابن سيرين. وكان القاسم يأتيهما وإياس لا يأتيهما, فعلم القاسم أنه إن أشارا به، فقال له: لا تسأل عني ولا عنه, فوالله الذي لا إله إلّا هو, إنه لأفقه مني وأعلم بالقضاء, فإن كنت كاذبًا فما يحل لك أن توليني وأنا كاذب, وإن كنت صادقًا فينبغي لك أن تقبل
خيرًا, إلّا أن المتأخرين لم يستعملوا الأصول لما وضع له من الاستنباط مع إيضاح الحق ليعمل به, بل استعملواه آلة جدال وغمتٍ للحق، فتجد الرجل يستدل لنفسه بالعام, فإذا ما استدلَّ به خصمه ردَّ عليه فقال: إن دلالته ظنية, وإنه لا يُعْمَل به قبل البحث عن المخصِّص, وإن كان عام دخله التخصيص، وتجده يستدل بالخاص, فإذا ما استدلَّ به خصمه رد عليه بأنه قضية عين لا عموم لها، وتجده يستدل بفعله -عليه السلام, فإذا استدلَّ به خصمه قال له: يحتمل أنه خصوصية, وما احتمل, واحتمل سقط به الاستدلال، وهكذا أكثروا من القواعد وعارضوا بعضها ببعض, ليتوصَّل كل واحد إلى أن يتمسَّك بما هو عليه لا يحيد عنه, ولم يبق عندهم استدلال إلّا الجدال, لا لظهور حقٍّ وإبانة باطل, وما اختلفوا إلّا من بعد ما جاءهم العلم سنة الله في الأمم.
هنا انتهى بنا الكلام على المجتهدين الثمانية الذين ألَّفت مذاهبهم من أهل القرن الثاني، وقد بينا لك بوجه إجمالي واضح قريب من التفصيل كيف كان الفقه في هذا العصر, والدرجة التي حصل عليها, وهذا عنفوان شبابه, وإن كان في القرن بعده وجد فيه مجتهدون آخرون, وخمسة منهم مَنْ دونت مذاهبهم أيضًا، ولكن الفقه دخل فيه في طور الكهولة كما نقرر، ولنذكر من كان من هذا العصر من مشاهير المجتهدين اجتهادًا مطلقًا غير ما سبق، ثم أصحاب أبي حنيفة ومالك.
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 475