اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 460
حجة, وإن لم يكن عمل يوافق الخبر أو يخالفه فالواجب المصير إلى الخبر؛ لأنه دليل لا مسقط له ولا معارض، ثم قال: إنهم إذا أجمعوا على شيء نقلًا أو عملًا متصلًا كان متواترًا يحصل به العلم وينقطع العذر, ويجب ترك أخبار الآحاد له؛ لأن المدينة جمعت من الصحابة من يقع العلم بخبرهم فيما أجمعوا عليه, وإن أجمعوا من طريق الاجتهاد فإن العصمة لم تضمّن لهم، ومن هذا القبيل بطلان خيار المجلس، والاقتصار على التسليمة الواحدة، وعلى قنوت الفجر قبل الركوع، وترك رفع الأيدي عند الركوع والرفع منه، وترك السجود في سورة المفصل، ونظائر ذلك. انظر أعلام الموقعين، وراجع ما تقدم في عصر صغار الصحابة في الأمر الثالث من الأمور التي أثَّرت على الفقه في ذلك العصر, مع ما تقدَّم في ترجمة الفقه في العصر المذكور[1].
إن مسألة العمل احتدم الجدال فيها بين مالك وغيره من أرباب المذاهب, فمالك يرى تقديم عمل المدينة وأنه في الرتبة الثانية للإجماع, ولا يشترط في خبر الواحد أن يعضده العمل بخبر الواحد مهما صحَّ أو حَسُنَ دون شرط شهرة أو غيرها، ومن زعم أن مالكًا يشترط في خبر الواحد موافقة عمل أهل المدينة فقد غلط، وبقية الأئمة الأربعة لا يرى العمل حجة على التفصيل السابق، والمسألة طويلة الذيل، وقد عضد مالكًا أعلام من الأمة.
قال عبد الرحمن بن مهدي: السنة المتقدمة من سنة أهل لمدينة خير من الحديث، يعني حديث أهل العراق, وتقدَّم قول أبي بكر بن حزم قاضي المدينة وواليها: إذا وجدت أهل المدينة مجتمعين على أمر فلا تشك أنه الحق, ونقل مثله عن الشافعي، وقال مالك: ما رواه الناس مثل ما روينا, فنحن وهم سواء, وما خالفناهم فيه فنحن أعلم به منهم، قال مالك: العلم أثبت من الحديث، وكان رجال من التابعين تبلغهم عن غيرهم أحاديث فيقولون: ما نجهل هذا, ولكن مضى العمل على غيره.
تحقيق هذا كله فيما ثبت فيه عمل جميع أهل المدينة أو جمهورهم, أما قول [1] تقدم.
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 460