اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 422
ذلك وذم السلف, فعند أحمد من حديث معاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الأغلوطات[1]، قال الأوزاعي: هي شواذ المسائل, وقال أيضًا: إن الله أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط, فلقد رأيتهم أضلّ الناس علمًا.
وقال ابن العربي: كان النهي في الزمن النبوي عن السؤال خشية أن ينزل ما يشق عليهم, أما بعده فقد أمن ذلك، لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع، قال: وإنه لمكروه إن لم يكن حرامًا إلا للعلماء, فإنهم مهدوا وفرّعوا, فنفع الله من بعدهم بذلك, ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم, وقد أشار في أعلام الموقعين إلى أن الإكثار من تفريع المسائل وردِّ الفروع بعضها على بعض قياسًا دون ردِّها على أصولها والنظر في عللها واعتبارها, واستعمال الرأي فيها قبل أن تنزل كل ذلك, داخل في دائرة النهي؛ إذ الإكثار من ذلك عنه تسبب ترك السنة والكتاب وترك الأصول؛ لأن الأعمار قصيرة لا تفي بهذا وهذا.
وقال في الجزء الأخير من أعلام الموقعين: إذا سأل المستفتي عن مسألةلم تقع, فهل يستحب إجابته أو تكره أو يخير؟ فيه ثلاث أقوال, إلى أن قال: والحق التفصيل, فإن كان في المسألة نص من كتاب أو سنة أو أثر عن الصحابة لم يكره الكلام فيه، وإلّا فإن كانت بعيدة الوقوع أو مقدَّرة لا تقع لم يستحب له الكلام فيه، وإن لم تكن نادرة وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون منها على بصيرة استحب له الجواب بما يعلم, لا سيما إن كان السائل يتفقَّه بذلك, ويعتبر بها نظائرها, ويفرع عليها, فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى[2].
وقال الحافظ العسقلاني[3]: وينبغي أن يكون محل الكراهة للعالم إذا شغله ذلك عمَّا هو أهم منه, وينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجرًا عمَّا يندر, ولا سيما في المختصرات ليسهل تناوله. "صح من كتاب التوحيد"، وقال الأبي[4] في شرح مسلم: إن مما زاد الفقه صعوبة ما اتسع فيه أهل المذهب من التفريعات [1] أخرجه أبو داود عن معاوية في العلم "3/ 321"، وأحمد عن رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم "5/ 435". [2] أعلام الموقعين "4/ 221". [3] أحمد بن علي بن حجر. [4] هو محمد بن خلفة بن عمر، ت سنة 827.
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 422