responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي    الجزء : 1  صفحة : 402
فقه, كما تجد ذلك في الموطأ وصحيح البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وغيرها، وكان قبل عمر بن عبد العزيز تدوين الحديث والفقه ممنوعًا على العلماء لئلّا يتَّكِلُوا على الكتابة فيكسلوا عن الحفظ، ولما صحَّ في مسلم وغيره عنه -عليه السلام: "لا تكتبوا عني غير القرآن" [1].
وروى الترمذي عن أبي سعيد: استأذنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكتابة فلم يأذن لنا[2]. وتقدَّم بسط ذلك في ترجمة كتابة السنة[3]، وهذا الرأي الذي رآه ابن عبد العزيز كان عمر بن الخطاب رآه قبله واستخار الله فيه شهرًا ثم قال: ذكرت قومًا كتبوا كتابًا فأقبلوا عليه ثم تركوا كتاب الله, فرجع عن نظره, ويعني بالقوم: أهل الكتاب، رواه ابن سعد والهروي[4] وغيرهما، قال في كشف الظنون: كان ابن عباس ينهى عن كتب العلم ويقول: إنهم إذا كتبوا اعتمدوا على الكتابة وتركوا الحفظ, فيعرض للكتاب عارض فيفوت علمهم, وإن الكتابة يمكن فيها الزيادة والنقص, وما حفظ لا يتغير, والحافظ يتكلم بالعلم, والمخبر عن الكتابة مخبر بالظن.
وقد قال الشعبي[5] على سعة علمه وكثرة محفوظاته: ما كتبت سوداء في بيضاء, ومثله الإمام الزهري[6] الذي قلَّ أن يوجد مثله في اتساع المعلومات, سأله مالك: أكنت تكتب العلم؟ قال: لا. قال: فقلت: أكنت تسألهم أن يعيدوا عليك الحديث؟ قال: لا. وثبت عنه أنه قال: ما استودعت قلبي شيئًا فنسيته، وقضية أبي هريرة مع مروان بن الحكم معلومة, وذلك أنه أحضره يومًا واستملاه فأملى أحاديث كثيرة, والكاتب يكتب وراءه بحيث لا يراه، وبعد سنة أحضره واستملاه تلك الأحاديث, فأملاها بلفظها لم يغيِّر منها حرفًا، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: لم يكن أحد أكثر مني حديثًا إلّا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص, فإنه كان يكتب ولا أكتب[7]، ومثال هذا كثير، وذلك أن الأمة كانت بدوية أمية, فعلمها في صدروها لا تتَّكِلُ إلّا على حفظها مع قلة مواد الكتابة؛ إذ لم يكن لهم كاغد, وإنما كانوا يكتبون غالبًا في العظام واللخاف وفي الجلد الذي لا يتيسر إلّا لمن له قدرة مالية, وفي منسوجات الكتان ونحوها، ثم لما ابتدأ الترف والميل للراحة, فبالضرورة يقل الحفظ, فلذلك أمر ابن عبد العزيز بالكتابة تلافيًا لما عسى أن يقع، فأمره هذا كان ضروريًّا اقتضته طبيعة الحال، وتسبب عنه ارتقاء عظيم للفقه وحفظ للسنة.

[1] مسلم في الزهد "8/ 229".
[2] أخرجه الترمذي في العلم "5/ 38"، من رواية سفيان بن وكيع بن الجراح الرواسي أبي محمد الكوفي، قال البخاري، يتكلمون فيه. انظر تهذيب التهذيب "4/ 123".
[3] تقدَّم.
[4] لعله عبد بن أحمد بن محمد, أبو ذر.
[5] عامر بن شراحيل.
[6] محمد بن مسلم بن عبيد الله.
[7] البخاري في العلم "1/ 38"، والترمذي "5/ 40".
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي    الجزء : 1  صفحة : 402
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست