اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 349
هل كان الصحابة كلهم مجتهدين:
إلى هذا نحى البوصيري[1] في همزيته إذا يقول: كلهم في أحكامه ذو اجتهاد, وأبقاه الهيتمي[2] وغيره على ظاهره, والذي يقتضيه كلام ابن خلدون في المقدمة, أن منهم من بلغ رتبة الاجتهاد ومنهم من لم يبلغها, فكان يقلد من بلغها؛ إذ كان منهم من لم يسمع منه -عليه السلام- إلّا الحديث الواحد، ومنهم من لم يسمع، ومنهم أهل البدو الذين كانوا بعيدين عن مركز العلم، وهو الذي صرّح به السيوطي في كتابه الرد على من أخلد إلى الأرض[3]، ونحوه قال السخاوي في شرح ألفية العراقي, نقلًا عن ابن المديني أن المذاهب المقلدة أربابها من الصحابة ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، قال: وكان لكلٍّ منهم أتباع في الفقه يدوّن علمهم وفتواهم وقولهم.
قلت: والصحابة من جملة من دخل في خطاب: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [4]، فيقضي أن بعضهم يسأل غيره من أهل الذكر, والمجتهد لا يقلد غيره, وذلك دليل أن فيهم من ليس مجتهدًا، وقال والد العسيف الذي زنى بامرأة مستأخره: وإني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام. الحديث[5]، وقال عمر لأبي بكر: رأينا لرأيك تبع, وقال مسروق: كان ثلاثة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعون قولهم لقول ثلاثة، كان عبد الله يدع قوله لقول عمر، وأبو موسى يدع قوله لقول علي، وزيد يدع قوله [1] هو محمد بن سعيد شرف الدين الصنهاجي المصري أبو عبد الله، ت سنة 696هـ، له ترجمة في فوات الوفيات "2/ 412". [2] أحمد بن أحمد بن محمد بن حجر شهاب الدين المصري الشافعي، له ترجمة في الكواكب السائرة "3/ 111". [3] وجهل ان الاجتهاد في كل عصر فرض، هدية العارفين "5/ 539". [4] النحل: 43، والأنبياء 7. [5] سبق تخريجه.
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 349