اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 304
لك أو لأخيك أو للذئب" , قال: فضالة الإبل؟ فقال: "مالك ولها معها حذاؤها حتى يلقاها ربها" حتى إذا كان زمن عثمان أمر بمعرفتها وتعريفها ثم تباع, فإن جاء صاحبها أعطي ثمنها[1].
وهذا أخذ منه بالمصالح المرسلة, مع أنها في مقابلة النص السابق؛ لأنه رأى الناس مدوا أيديهم إلى ضوال الإبل, فجعل راعيًا يجمعها ثم تباع بالمصلحة المرسلة العامة, وهذا من حجج مالك في ذلك, على أن مالكًا لا يأخذ بها مع وجود نص يخالفها.
ومن فتاويه أن تقصير الصلاة أيام الحج ليس من النسك بل هو لأجل السفر, فمن كان متأهلًا بمكة فلا قصر عليه, فكان عثمان يتمم الصلاة لما له من الأهل بمكة, وخالف في ذلك رأي من قبله من الخلفاء[2].
وله فتاوٍ وآراء في الاجتهاد كثيرة, وكيف لا وهو من الخلفاء الذين قال فيهم عليه السلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي" الحديث[3]، وإن كان عثمان لم يكن من المكثرين فقهًا ولا تحديثًا, لكنه ذو سداد في الاجتهاد, وترجمته شهيرة -رضي الله عنه, وقد يجمع الصحابة ويشاورهم في الأمور الهامة، فقد استشار عليًّا في حد الوليد لما شهدوا عليه بالشرب بحده أربعين[4]، وقضاؤه في بعض الأمر دون شورى هو الذي كان من جملة أسباب الثورة ضده كما يُعْلَم من التاريخ، وتقديم عليّ -كرم الله وجهه- في الفقه عليه لا يلزم منه التقديم في غيره, فتلك مزية لا تقتضي التفضيل.
وقد اشتهر في زمن الخلفاء عدد من الصحابة بل والتابعين بالفقه والافتاء: [1] حديث زبد بن خالد الجهني: متفق عليه, البخاري "3/ 163"، ومسلم "5/ 133". [2] رواه أحمد في مسنده "1/ 62"، وفي إسناده عكرمة بن إبراهيم، انظر تعليق الشيخ أحمد بن شاكر على المسند "1/ 443" ط. دار المعارف، ونيل الأوطار "3/ 211". [3] أبو داود "4/ 201"، والترمذي "5/ 44"، وابن ماجة "1/ 16". [4] الذي استشار عليًّا في حد الخمر هو عمر -رضي الله عنه, كما جاء في الموطأ "2/ 842"، أما حد الوليد بن عقبة ففي مسلم "5/ 126"، وفيه: أن عثمان أمر عليًّا أن يجلده, وليس فيه أنه استشاره، فجلده عليّ أربعين.
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 304