اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 290
مسلم عن عبد الله بن عمر أنه دخل على أبيه حين احتضر فقال: زعموا أنك غير مستخلف، وأنه لو كان لك راعي إبل أو غنم ثم جاءك وتركها, أرأيت قد ضيّع, فرعاية الناس أشد، قال: فوافقه قولي, فوضع رأسه ساعة ثم رفعه إلي، فقال: إن الله -عز وجل- يحفظ دينه, وإني لئن لا أستخلف, فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف، قال: فوالله هو إلا أن ذكر رسول الله وأبا بكر عملت أنه لم يكن ليعدل برسول الله -صى الله عليه وسلم- أحدًا, وأنه غير مستخلف[1].
فابن عمر كأبي بكر قاس رعاية الناس على رعاية الغنم والإبل، لكن عمر فرّق ببيهما بما رأيت، ورأى أن النبي -عليه السلام- لما لم يستخلف, ففي الأمر سعة، فقدَّم السنة على القياس.
ولا يقال: إن هذا ليس بقول ولا فعل ولا تقرير حتى يقال فيه سنة, لأنا نقول: إن بعض الأصوليين يقول: إن الترك هو من قبيل الفعل، على أنه إنما استدلَّ بالترك على جواز الترك, وأن ما دلَّ عليه القياس من الوجوب غير لازم, وأن فعل أبي بكر إنما كان اختيارًا لأحد شقي الجائز لمصلحة رآها والله أعلم. [1] مسلم في الإمارة "6/ 5". اجتهاد عمر
مدخل
... اجتهاد عمر:
وكان عمر كأبي بكر يجمع علماء الصحابة الماهرين في النوازل ويستشيرهم ويأخذ بمرويهم, فإن لم يجد فبرأي أغلبهم؛ لأن ديننا منبيٌّ على الشورى، قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [1]، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [2] ففي البخاري أن القراء كانوا أصحاب مجالس عمر ومشارواته, كهولًا كانوا أو شبابًا، وأن الحر بن قيس كان منهم[3].
وفي مسلم أن نافع بن الحارث, يعني: الخزاعي, لقي عمر بعسفان, وكان عمر [1] آل عمران: 159. [2] الشورى: 38. [3] البخاري في تفسير الأعراف: "6/ 76".
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 290