اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 199
له، ثم خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إن مكة حرمها الله, ولم يحرمها الناس، وإن الله أباحها لنبيه ساعة من نهار، وعادت لها حرمتها كما كانت بالأمس، لا ينفر صيده, ولا يعض شجرها" الحديث[1]، والمراد بتحريمها أن تكون الحياد, ولا تجعل محلًّا عسكريًّا, ولا ميدانًا للمنافسة السياسية, بل محل عبادة ونسك, فالحنفية يقولون: ولو التجأ إليها البغاة, أو من وجب عليه قصاص ضُيِّقَ عليهم حتى يسلموا، ولا قتال ولا قصاص بالحرم أصلًا، وغيرهم يقول: "إن الحرم لا يجير عاصيًا ولا فارًّا بخربة" كما ثبت في السنة[2], وعليه فيقاتلون في الحرم، فالفرق بينها وبين غيرها إنما هو وجوب جعلها محايدة ما أمكن، أما ترك البغاة بها بأنه يؤدي لفساد النظام وذاك ظاهر، فيحاربون بها إن دعت لذلك ضرورة حربية، وتقام لها الحدود والقصاص كغيرها من البلدان. [1] تقدَّمَ تخريجه. [2] متفق عليه: البخاري "[3]/ 18"، ومسلم "[4]/ 110". القصاص:
في السنة الثامنة كان أول قود في الإسلام، أقاد النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة رجلًا من هذيل برجل من بني سليم, بحكم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [3]، وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [4]، وقال تعالى: {لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [5]، وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [6].
وكان القصاص معروفًا عند العرب كما تقدَّمَ في التمهيد الثاني، ولكن الإسلام ضبطَه وحرَّرَ نظامه، فمن تمسك بعموم ما سوى عجز الأولى[7]، قال: [3] البقرة: 178. [4] المائدة: 45. [5] الإسراء: 33. [6] البقرة: 179. [7] أي: تمسك بالعموم في صدر الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى....} على أنه مستقل عن عجز الآية فلا يخصصه، وهذا مذهب الحنفية.
اسم الکتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي المؤلف : الحجوي الجزء : 1 صفحة : 199