اسم الکتاب : البرهان في أصول الفقه المؤلف : الجويني، أبو المعالي الجزء : 1 صفحة : 178
للتخصيص بالخوف مفهوم ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [1] فظاهر الآية اختصاص [المفاداة] بحالة الشقاق وقد رأى الشافعي حمل ذلك على العرف الجاري في مثله في أن الزوجين لا يتخالعان ولا يتقامطان على الحب والمقة والتصافي وإنما تسمح المرأة ببذل المال المحبوب ويستبدل الزوج عنها مالا إذا أظهرا تقاليا وشقاقا فكان جريان التخصيص على حكم العرف وعلى هذا حمل الشافعي حديث عائشة[2] رضي الله عنها إذ روت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال[3]: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" فمقتضى التخصيص لو اتسق القول بالفهوم أن يصح النكاح بلفظها إذا أذن وليها ولكن الشافعي قال إنما تزوج المرأة نفسها إذا كانت متبرجة كاشفة جلباب الحياء عن وجهها مؤثرة لنفسها الخروج عن دأب الخفرات فإذ ذاك تستبد بنفسها وإن بقي فيها ملتفت إلى الأولياء فإنها تفوض أمرها إليهم فإن عضلوها حملت خاطبها على رفع الأمر إلى القاضي فجرى التخصيص على حكم العرف أيضا ونظائر ذلك كثيرة في الكتاب والسنة فهذا مساق كلام الشافعي.
381 - والذي أراه في ذلك أن اتجاه ما ذكره من حمل الأمر على خروج الكلام على مجرى العرف لا يسقط التعلق بالمفهوم نعم يظهر مسالك التأويل ويخفف الأمر على المؤول في مرتبة الدليل العاضد للتأويل والدليل عليه أن عين التخصيص لا يتضمن نفي ما عدا المخصص ولو صير إلى ذلك ففيه تطرق إلى مذهب الدقاق وإنما ظهر نفي ما عدا المخصوص في إشعار المنطوق به شرطا أو تحديدا أو تعليلا ومقتضى اللفظ لا يسقط باحتمال يئول إلى العرف والذي يحقق ذلك أنه لما قال يعلى[4] بن أمية لعمر[5] بن الخطاب رضي الله عنهما في قوله تعالى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [6] أنقصر وقد أمنا قال عمر تعجبت مما تعجبت منه[7] ولم ينكر عليه اعتقاد المفهوم من طريق اللسان وقد صار محمد[8] بن الحسن. [1] آية "229" سورة البقرة. [2] سبقت ترجمتها. [3] أبو داود "2083", والترمذي 1/204, وابن ماجه "1879", وأحمد 6/47 و 165, والدارمي 2/137, وابن أبي شيبة 7/2/1, والدارقطني "381" والحاكم 2/168, والإرواء 6/243 وقال: صحيح. [4] سبقت ترجمته. [5] سبقت ترجمته. [6] سبقت. [7] سبق تخريجه. [8] محمد بن الحسن الشيباني مولاهم أبو عبد الله الكوفي, صاحب الإمام أبو حنيفة, سمع منه, ومن أبي يوسف, ومسعر بن كدام, والثوري, آخرين. ولى قضاء الرقة أيام الرشيد, ثم عزله, ومات بالري سنة "189". له ترجمة في: وفيات الأعيان "3/325" وتاريخ بغداد 2/172.
اسم الکتاب : البرهان في أصول الفقه المؤلف : الجويني، أبو المعالي الجزء : 1 صفحة : 178