responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في أصول الفقه المؤلف : الزركشي، بدر الدين    الجزء : 2  صفحة : 74
قَتَلْتُك، لَا يَجِدُ مَنْدُوحَةً عَنْ قَتْلِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْهَلَاكِ، فَإِقْدَامُهُ عَلَى قَتْلِ زَيْدٍ لَيْسَ كَوُقُوعِ الَّذِي أُلْقَى مِنْ شَاهِقٍ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي عَدَمِ التَّكْلِيفِ لَكِنْ تَكْلِيفُهُ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ تَكْلِيفِ الْمُلْجَأِ، وَلِهَذَا أُبِيحَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَكَلِمَةُ الْكُفْرِ.
وَأَمَّا تَأْثِيمُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ فَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكْرَهٌ وَأَنَّهُ قَتْلٌ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آثَرَ نَفْسَهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ ذُو وَجْهَيْنِ: الْإِكْرَاهُ وَلَا إثْمَ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَجِهَةُ الْإِيثَارِ وَلَا إكْرَاهَ فِيهَا، وَهَذَا لِأَنَّك قُلْت: اُقْتُلْ زَيْدًا وَإِلَّا قَتَلْتُك، فَمَعْنَاهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ زَيْدٍ، فَإِذَا آثَرَ نَفْسَهُ فَقَدْ أَثِمَ، لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ: مَحَلُّ التَّخْيِيرِ لَا وُجُوبَ فِيهِ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ.
وَهَذَا تَحْقِيقٌ حَسَنٌ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِاسْتِثْنَاءِ صُورَةِ الْقَتْلِ مِنْ قَوْلِنَا الْمُكْرَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التَّصَرُّفِ إلَّا فِي صُوَرٍ إنَّمَا ذَكَرُوهُ لِضَبْطِ تِلْكَ الصُّوَرِ، لَا أَنَّهُ مُسْتَثْنًى حَقِيقَةً. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَإِنَّهُ احْتَجَّ عَلَى إسْقَاطِ قَوْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ، فَلَمَّا وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَقَطَتْ أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ عَنْ الْقَوْلِ كُلِّهِ، لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ سَقَطَ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي السُّنَنِ " وَعَضَّدَهُ بِحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .

اسم الکتاب : البحر المحيط في أصول الفقه المؤلف : الزركشي، بدر الدين    الجزء : 2  صفحة : 74
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست