responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأشباه والنظائر المؤلف : السبكي، تاج الدين    الجزء : 1  صفحة : 7
للفضل بعيده وقريبه شفاء لما في الصدور ووفاء لما للعلم في ذمة بني الدهور وصفا يروق به موارد السرور، واكتفى بما تعلق به الرجاء من عظائم الأمور، أولًا لا يحتاج إلى ثانٍ ومكملا ليس عنه ثانٍ، وموئلا للطلبة ليس عليه إلا مثنٍ –وقضى السجع بأن أقول: ثانٍ كأنما صعد صاحبه السماء وأخذ بدرها أو غاص البحار واستخرج درها، لا والله- بل بعثر القلوب وأفشى سرها، ثم جمع الإمام العلامة صدر الدين محمد بن عمر بن المرحل[1] كتابًا في الأشباه والنظائر في الفروع طاول فيه الفراقد وحاول المعالي فسهر في طلبها، وخلف ألف راقد وتناول النجم قناداه لسان الإنصاف. ولما رأيت الناس دون محله تيقنت أن الدهر للناس ناقد ولقد جاوز قدر كل ذي قدر، وزاحم الرءوس في مجالس المعالي، ويد الحق تضع في الصدر الصدر وتضايق القوم حيث فسح له وأنشد:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
ضاق بها وهي في مجالس العلم الصدر، ولكن صدر الدين وراق بها ربعها وإن بعد عهده فلا يتغير، وإن غير النأي المحبين وساق منه هديا لحفظه التقي فنسيانه ضلال مبين، وساق منه كتابا يتلقاه ذو المعرفة باليمين، فما هاج شوقي إلى ما أنا بصدده إلا كتابه لا حمامه، ولا بعث على هذه الكلمات سواه لما سمعت كلامه، فلقد بعثني [فأقام] [2] على ليلي من الفكر القيامة لأني مع استحسانه وجدته محتاجا إلى تحر في تحريره، وممر عليه من أوله إلى آخره لكونه مات وهو مجموع مفرق؛ لتبذيره من غير تدبيره، منسوب في نفسه إلى قصوره غير منسوب إلى مصنفه، وقد عارضته المنية إلى تقصيره.
فعمدت إلى هذا الكتاب فاجتلبت زبده وقذفت في بحر فوائد زبده وجمعت عليه من الأشباه نظائر كالأرواح جنودا مجندة وحررته في الدجى بشهادة النجوم ولاقيت عسره

[1] محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد بن عطية بن أحمد، يقال عبد الصمد بن أبي بكر بن عطية الشيخ الإمام العلامة ذو الفتوق صدر الدين أبو عبد الله ابن الشيخ الإمام الخطيب زين الدين أبي حفص العثماني المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل. ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة، وقال السبكي في طبقاته: كان الوالد يعظمه ويحبه ويثني عليه بالعلم وحسن العقيدة. توفي في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة بالقاهرة.
طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 233، ابن السبكي 6/ 23 والبداية والنهاية 14/ 80، وفوات الوفيات 2/ 254 حسن المحاضرة 15/ 237.
[2] في ب: "وأقام".
البارزة لوجهة الشخصية، ولقد منح الله العلي الغفار الإمام الحبر البحر عبد الوهاب السبكي بيئة ذات طابع متميز فساعدته على تنمية مواهبه وإشراقه بنوعه فهي بيئة علمية التقت به من جميع جوانبه فوالد تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي وكفى بذلك شاهدًا. فلقد رأى الشيخ عبد الوهاب وفود العلماء وهي تنسل إلى مجلس أبيه وينهلون من علمه ويقيدون فوائده فليس غريبا أن يبدأ مبكرا في حفظ كتاب الله والعكوف على طلب العلم؛ فقد نشأ في أسرة عريقة ويعتبر تاج الدين من أجلِّ وأعظم رجال الأسرة السبكية الذين ذاع صيتهم في دولتي المماليك؛ لامتيازهم في العلم وفي مناصب التدريس والقضاء فلم يعش تاج الدين إلا نحو أربعة وأربعين عاما لكن حياته على قصرها كانت ملأى بالإنتاج العلمي الذي جعله من الأئمة باعتراف معاصريه ومن جاءوا بعده.
وتدل آثاره وموافقه في المحن التي عاناها وآراء من كتبوا عنه على أنه كان -إلى جانب ما امتاز به من علم غزير وذكاء حادٍّ ولسان طلق وبديهة حاضرة وحجة قوية وصبر على العمل المنتج وسعة صدر وثبات في الملمات وترفعٍ واعتداد بالنفس ورقة إحساس وعطف على الإنسان والحيوان من أولئكم ذوي الشخصيات الضخمة والنفوس القوية والأخلاق المتينة؛ أولئكم الذين يسمون بأنفسهم فوق منافعهم الخاصة ويأبون وإن تهيأت لهم كل أسباب الراحة في الحياة، وأن يصبروا على فساد بيئة أو طغيان قوة أو موت حق وقيام باطل، فلم يكن من أولئكم الأنذال أشباه الذين يرحبون بالفساد يستغلونه لمآربهم ويسخرونه لمنافعهم. بل آثر أن يكون من رجال الإصلاح وإن أوذي واضطهد، فعزل غير مرة واعتقل بقلعة دمشق، لكن العالم الإسلامي وقد نسي مضطهديه واضطهاده لم ينس له في حياته ولن ينسى له بعد مماته فضله وآثاره[1]؛ فقد كان تاج الدين في طلبه للعلم شغوفا لم يألُ جهدا في تحصيله فحضر وسمع بمصر من جماعة ثم قدم دمشق مع والده في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسمع بها من جماعة واشتغل بالعلم على والده وغير ودرس بمصر والشام وبمدارس كبار العلماء منها العزيزية والعادلية الكبرى والغزالية والعزراوية والشاميين والناصرية والأمينية وغير ذلك من المدارس.

[1] البيت السبكي 13-14.
اسم الکتاب : الأشباه والنظائر المؤلف : السبكي، تاج الدين    الجزء : 1  صفحة : 7
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست