اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 145
ولا فرق فصح أنه لا يجوز ترجيح رواية على أخرى ولا ترجيح شهادة على أخرى بأن أحد الراوين أو أحد الشاهدين أعدل من الآخر وهذا الذي تحكموا به إنما هو من باب طيب النفس وطيب النفس باطل لا معنى له وشهوة لم يأذن بها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما هو حق فسواء طابت النفس عليه أو كرهته فهو حرام عليها وهذا من باب اتباع الهوى وقد حرم الله تعالى ذلك قال عز وجل {وأما من خاف مقام ربه ونهى لنفس عن لهوى} وقال تعالى {فإن لم يستجيبوا لك فعلم أنما يتبعون أهوآءهم ومن أضل ممن تبع هواه بغير هدى من لله إن لله لا يهدي لقوم لظالمين} فمن حكم في دين الله عز وجل بما استحسن وطابت نفسه عليه دون برهان من نص ثابت أو إجماع فلا أحد أضل منه وبالله تعالى نعوذ من الخذلان إلا من جهل ولم تقم عليه حجة فالخطأ لا ينكر وهو معذور مأجور ولكن من بلغه البيان وقامت عليه الحجة فتمادى على هواه فهو فاسق عاص لله عز وجل قال علي ووجدنا الله تعالى لم يرض في القبول في الشهادة بزنى الأمة إلا أربعة عدول لا أقل وإنما في ذلك خمسون جلدة وتغريب نصف عام ووجدنا كما قد وافقتمونا
على القبول في إباحة دم المسلم ودماء الجماعة باثنين وكذلك في القذف والقطع فأين طيب النفس ههنا فبهذا وغيره يجب قبول ما قام الدليل عليه وسواء طابت عليه النفس أو لم تطب قال علي والمرأة والرجل والعبد في كل ما ذكرنا سواء ولا فرق ولم يخص تعالى عدلا من عدل ولا رجلا من امرأة ولا حرا من عبد قال علي وبما ذكرنا ههنا يبطل قول من قال هذا الحديث لم يرو من غير هذا الوجه ثم قال إنما طلبنا كثرة الرواة على استطابة النفس فإن اعترضوا بقول إبراهيم عليه السلام إذ يقول {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من لطير فصرهن إليك ثم جعل على كل جبل منهن جزءا ثم دعهن يأتينك سعيا وعلم أن لله عزيز حكيم} الآية
اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 145