responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 61
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا اسْتِعْمَالُ الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ لِإِيجَابِ اقْتِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَا بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْحَمُ النَّبِيَّ، وَالْمَلَائِكَةَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْعُوا لَهُ، لَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي غَايَةِ الرَّكَاكَةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنِ اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعْنًى حَقِيقِيًّا، أَوْ مَعْنًى مَجَازِيًّا، أَمَّا الْحَقِيقِيُّ: فَهُوَ الدُّعَاءُ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَدْعُو ذَاتَهُ بِإِيصَالِ الخير إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ مِنْ لَوَازِمِ هَذَا الدُّعَاءِ الرَّحْمَةُ، فَالَّذِي قَالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، قَدْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى، لَا أَنَّ الصَّلَاةَ وُضِعَتْ لِلرَّحْمَةِ.
وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ: فَكَإِرَادَةِ الْخَيْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَقَامِ، ثُمَّ إِنِ اخْتَلَفَ ذَلِكَ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاكِ، بِحَسَبِ الْوَضْعِ.
وَاحْتَجُّوا -أَيْضًا- بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الْآيَةَ[1]، فَإِنَّهُ نَسَبَ السُّجُودَ إِلَى الْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ، كَالشَّجَرِ، وَالدَّوَابِّ، فَمَا نُسِبَ إِلَى غَيْرِ الْعُقَلَاءِ يُرَادُ بِهِ الِانْقِيَادُ، لَا وَضْعَ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَمَا نُسِبَ إِلَى الْعُقَلَاءِ يُرَادُ بِهِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الِانْقِيَادَ لَمَا قَالَ {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاس} [2]؛ لَأَنَّ الِانْقِيَادَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ الِانْقِيَادُ فِي الْجَمِيعِ، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الِانْقِيَادَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الناس باطل؛ لأن الكفار لم يَنْقَادُوا.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ وَضَعُ الرَّأْسِ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْجَمِيعِ، فَلَا يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَتِهِ مِنَ الْجَمَادَاتِ، إِلَّا مَنْ يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَةِ التَّسْبِيحِ مِنَ الْجَمَادَاتِ، وَبِاسْتِحَالَةِ الشَّهَادَةِ مِنَ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
إِذَا عَرَفَتْ هَذَا لَاحَ لَكَ عدم جواز الجمع بين معنى الْمُشْتَرَكِ، أَوْ مَعَانِيهِ، وَلَمْ يَأْتِ مَنْ جَوْزَهُ بِحُجَّةٍ مَقْبُولَةٍ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ مَجَازًا، لَا حَقِيقَةً، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ,
وَقِيلَ: يَجُوزُ إِرَادَةُ الْجَمْعِ لَكِنْ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ، لَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ، وَقَدْ نُسِبَ هَذَا إِلَى الْغَزَالِيِّ وَالرَّازِيِّ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي النَّفْيِ لَا فِي الْإِثْبَاتِ، فَيُقَالُ مَثَلًا: ما رأيت عينًا، ومراده العين

[1] جزء من الآية "18" من سورة الحج.
[2] جزء من الآية "18" من سورة الحج.
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 61
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست