responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 392
وَقَدْ حَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ مَذْهَبَيْنِ لَمْ يَنْسُبْهُمَا إِلَى مَنْ قَالَهُمَا.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ إِنْ كَانَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مُخْرَجًا مِنْ "عَامٍّ وَإِلَّا فَلَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ إِنْ كَانَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مُخْرَجًا مِنْ غَيْرِ"* ذَلِكَ الْعَامِّ وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: الْقِيَاسُ إِنْ كَانَ جَلِيًّا مثل {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُف} [1] جاز التخصيص به الإجماع، وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا وَهُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ مَعْنَى الْأَصْلِ، كَقِيَاسِ الرِّبَا، فَالتَّخْصِيصُ بِهِ جَائِزٌ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا إِلَّا طَائِفَةً شَذَّتْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا، وَهُوَ قِيَاسٌ عِلَّتُهُ الشَّبَهُ، فَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَذَّ فَجَوَّزَهُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَفِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ جَوَازُهُ أَيْضًا، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى جَوَازِ التَّخْصِيصِ بِالْخَفِيِّ فِي مَوَاضِعَ.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ: بأن العموم والقياس دليلان متعارضين وَالْقِيَاسَ خَاصٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ.
وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا يَنْتَهِضُ احْتِجَاجُ الْمَانِعِينَ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ قَدَّمَ الْقِيَاسَ عَلَى عُمُومِ الْخَبَرِ لَزِمَ تَقْدِيمُ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيمَ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ إِبْطَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِعْمَالِهِمَا جَمِيعًا فَلَا.
وَقَدْ طَوَّلَ أَهْلُ الْأُصُولِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَحْثِ بِإِيرَادِ شُبَهٍ زَائِفَةٍ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا.
وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ الْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْقِيَاسِ، فَمَنْ مَنَعَ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ مُطْلَقًا مَنَعَ مِنَ التَّخْصِيصِ بِهِ، وَمَنْ مَنَعَ مِنْ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ دُونَ بَعْضٍ مَنَعَ مِنَ التَّخْصِيصِ بِذَلِكَ الْبَعْضِ، وَمَنْ قَبِلَهُ مُطْلَقًا خَصَّصَ بِهِ مُطْلَقًا.
وَالتَّفَاصِيلُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا مِنْ جِهَةِ الْقَابِلِينَ لَهُ مُطْلَقًا، إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَقَعَ هُنَا مُقَابِلًا لِدَلَالَةِ الْعُمُومِ.
وَالْحَقُّ الْحَقِيقُ بِالْقَبُولِ: أَنَّهُ يُخَصَّصُ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ، وَبُلُوغِهَا إِلَى حَدٍّ يُوَازِنُ النصوص، وكذلك يُخَصَّصُ بِمَا كَانَتْ عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةً، أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا، أَمَّا الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصَةُ فَالْقِيَاسُ الْكَائِنُ بِهَا فِي قُوَّةِ النَّصِّ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا، فَلِكَوْنِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ قَدْ دَلَّ عَلَى دَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَنْوَاعَ مِنَ الْقِيَاسِ، فَلَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ بِالْعَمَلِ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ.
وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي الْقِيَاسِ، عَلَى وَجْهٍ يَتَّضِحُ بِهِ الْحَقُّ اتِّضَاحًا لَا يَبْقَى عِنْدَهُ رَيْبٌ لمرتاب.

* ما بين قوسين ساقط من "1".

[1] جزء من الآية "23" من سورة الإسراء.
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 392
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست