responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 28
المبحث الثاني في الحاكم
...
الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي الْحَاكِمِ
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْحَاكِمِ الشَّرْعَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَبُلُوغِ الدَّعْوَةِ.
وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ: فَقَالَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ[1]: لَا يَتَعَلَّقُ لَهُ سُبْحَانَهُ حُكْمٌ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، فَلَا يَحْرُمُ كُفْرٌ وَلَا يَجِبُ إِيمَانٌ.
وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ[2]: إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ لَهُ تَعَالَى حُكْمٌ بِمَا أَدْرَكَ الْعَقْلُ فِيهِ صِفَةَ حُسْنٍ، أَوْ قُبْحٍ لِذَاتِهِ، أَوْ لِصِفَتِهِ، أَوْ لِوُجُوهٍ وَاعْتِبَارَاتٍ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ.
قَالُوا: وَالشَّرْعُ كَاشِفٌ عَمَّا أَدْرَكَهُ الْعَقْلُ قَبْلَ وُرُودِهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَشْعَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي شَيْئَيْنِ:
الْأَوَّلُ: مُلَاءَمَةُ الْغَرَضِ لِلطَّبْعِ وَمُنَافَرَتُهُ لَهُ، فَالْمُوَافِقُ حَسَنٌ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَالْمُنَافِرُ قبيح عنده.
الثاني: صفة الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ، فَصِفَاتُ الْكَمَالِ حَسَنَةٌ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَصِفَاتُ النَّقْصِ قَبِيحَةٌ عِنْدَهُ.
وَمَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ -كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا كَانَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ- هُوَ كَوْنُ الْفِعْلِ مُتَعَلَّقَ الْمَدْحِ، وَالثَّوَابِ، وَالذَّمِّ، وَالْعِقَابِ، آجِلًا وَعَاجِلًا.
فَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِكَوْنِ الْفِعْلِ وَاقِعًا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، لِأَجْلِهِ يَسْتَحِقُّ فاعله الذم.
قالوا: وذلك الوجه قيد يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِهِ، وَقَدْ لَا يَسْتَقِلُّ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْعَقْلُ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ حُسْنَ الصِّدْقِ النَّافِعِ، وَقُبْحَ الْكَذِبِ الضَّارِّ، وَيَعْلَمُ نَظَرًا حُسْنَ الصِّدْقِ الضَّارِّ، وَقُبْحَ الْكَذِبِ النَّافِعِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَحُسْنِ صَوْمِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقُبْحِ صَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا طَرِيقَ لَهُ إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ، لَكِنَّ الشَّرْعَ لَمَّا وَرَدَ علمنا الحسن والقبح فيهما.

[1] وهم أصحاب أبي الحسن على بن إسماعيل الأشعري، وهم فرقة من أهل السنة والجماعة ولهم أقوال تخالف أقوال الماتريدية منها أن الناشئ في شاهق عال إذا لم يؤمن لا يحاسبه الله لأنه ليس آثما لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} والماتريدية خالفوهم فقالوا يحاسبه الله لأن الرسول في الآية المراد به العقل. ا. هـ الملل والنحل "1/ 94" تحفة المريد "30-31".
[2] هم أصحاب واصل بن عطاء الغزال الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، ويسمون بأصحاب العدل والتوحيد، وهم فرقة خالفت أهل السنة والجماعة ببعض الاعتقادات منها: خلق أفعال العباد - وجوب الصلاح والأصلح على الله- خلق القرآن الكريم ا. هـ الملل والنحل "1/ 43" التعريفات "282".
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست