responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 275
ووجه ذلك: أنها لو وُجِدَتْ فِي الْأَعْيَانِ لَزِمَ تَعُدُّدُهَا كُلِّيَّةً فِي ضمن الجزئية، فمن حيث إنها مَوْجُودَةٌ تَكُونُ شَخْصِيَّةً جُزْئِيَّةً، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا الماهية الكلية تكون كلية وأنه مُحَالٌ، فَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: "بِعْ هَذَا الثَّوْبَ" فإن هذا لا يكون أمر بِبَيْعِهِ بِالْغَبَنِ، وَلَا بِالثَّمَنِ الزَّائِدِ، وَلَا بِالثَّمَنِ الْمُسَاوِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ مُشْتَرِكَةٌ فِي مُسَمَّى البيع، وَتَمْيِيزُهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصِ كَوْنِهِ بِالْغَبَنِ أَوْ بِالثَّمَنِ الزَّائِدِ أَوِ الْمُسَاوِي، وَمَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ غَيْرُ مَا بِهِ الِامْتِيَازُ، وَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لَهُ، فَالْأَمْرُ بِالْبَيْعِ الَّذِي هُوَ جِهَةُ الِاشْتِرَاكِ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِمَا بِهِ يَمْتَازُ كُلُّ واحد من الأنواع عن الآخر لا بِالذَّاتِ وَلَا بِالِاسْتِلْزَامِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ بالجنس لا يكون ألبتة أَمْرًا بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ، لَكِنْ إِذَا دَلَّتِ القرينة على إرادة بعض الأنواع حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ بُرْهَانِيَّةٌ يَنْحَلُّ بِهَا كَثِيرٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ الْمَقَامَ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَرَامُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ عِلْمِ الْمَعْقُولِ مِنْ أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ ثَلَاثٌ:
الْأَوَّلُ:
الْمَاهِيَّةُ[1] لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مِنَ الْقُيُودِ، وَلَا بِشَرْطِ عَدَمِهَا، وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْمَنْطِقِ الْمَاهِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ، وَيُسَمُّونَهَا الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ، وَالْخِلَافُ فِي وُجُودِهَا فِي الْخَارِجِ مَعْرُوفٌ.
وَالْحَقُّ: أَنَّ وُجُودَ الطَّبِيعِيِّ بِمَعْنَى وُجُودِ أَشْخَاصِهِ.
وَالثَّانِيَةُ:
الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ، أَيْ: بِشَرْطِ خُلُوِّهَا عَنِ الْقُيُودِ، وَيُسَمُّونَهَا الْمَاهِيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهَا لَا تُوجَدُ فِي الْخَارِجِ.
وَالثَّالِثَةُ:
الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ شَيْءٍ مِنَ الْقُيُودِ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُودِهَا فِي الْخَارِجِ.
وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّ الْمَاهِيَّةَ قَدْ تُؤْخَذُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَعَ بَعْضِ الْعَوَارِضِ، كَالْإِنْسَانِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ وَبِالْعَكْسِ، وَكَالْمُقَيَّدِ بِهَذَا الشَّخْصِ، فلا يَصْدُقُ عَلَى فَرْدٍ آخَرَ، وَتُسَمَّى الْمَاهِيَّةَ الْمَخْلُوطَةَ، وَالْمَاهِيَّةَ بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَلَا ارْتِيَابَ فِي وُجُودِهَا فِي الْأَعْيَانِ، وَقَدْ تُؤْخَذُ بِشَرْطِ التَّجَرُّدِ عَنْ جَمِيعِ الْعَوَارِضِ، وَتُسَمَّى الْمُجَرَّدَةَ، وَالْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا لَا تُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ، وَقَدْ تُؤْخَذُ لَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً أَوْ مُجَرَّدَةً، بَلْ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يُقَارِنَهَا شَيْءٌ مِنَ العوارض، وأن لا يُقَارِنَهَا، وَتَكُونُ مَقُولًا عَلَى الْمَجْمُوعِ حَالَ الْمُقَارَنَةِ، وَهِيَ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ، وَالْمَاهِيَّةُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَالْحَقُّ وُجُودُهَا فِي الْأَعْيَانِ، لَكِنْ لَا مِنْ حيث كَوْنِهَا جُزْءًا مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ الْمُحَقَّقَةِ، عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ الْأَكْثَرِينَ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يوجد شيء تصدق هي عليه، وتكون عينه بحسب الخارج، وإن تغايرا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَبِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ يَظْهَرُ لَكَ بُطْلَانُ قَوْلِ: مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِهَا، وَلَمْ يَأْتُوا بِدَلِيلٍ يدل على ذلك دلالة مقبولة.

[1] تطلق غالبًا على الأمر المتعقل، مثل المتعقل من الإنسان، وهو الحيوان الناطق مع قطع النظر عن الوجود الخارجي. ا. هـ. التعريفات "250".
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 275
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست