responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 202
بِالْإِجْمَاعِ إِنَّمَا يَنْفَعُ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَهْمَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا مَوْجُودِينَ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بَقُوا بِأَسْرِهِمْ إِلَى بَعْدِ وَفَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهَا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ لَمْ تَدُلَّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي شَيْءٍ من الاجماعات الْمَوْجُودَةِ فِي الْمَسَائِلِ، بَلِ الْمَعْلُومُ خِلَافُهُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَاتَ زَمَانَ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
ثُمَّ قَالَ: سَلَّمْنَا دِلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، لَكِنْ دَلَالَةٌ قَطْعِيَّةٌ أَمْ ظَنِّيَّةٌ؟ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ. لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ فِيهَا بِالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ.
قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّا نَجْعَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةً.
قُلْتُ: إِنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُنْعَقِدَ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ، بَلْ كُلُّهُمْ نَفَوْا ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ نَفَى كَوْنَهُ دَلِيلًا أَصْلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ دَلِيلًا قَاطِعًا فَلَوْ أَثْبَتْنَاهُ دَلِيلًا ظَنِّيًّا لَكَانَ هَذَا تَخْطِئَةً لِكُلِّ الْأُمَّةِ وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ.
وَالْعَجَبُ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْإِجْمَاعَ بِعُمُومَاتِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُنْكِرَ لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْعُمُومَاتُ لَا يُكَفَّرُ، وَلَا يُفَسَّقُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْإِنْكَارُ لِتَأْوِيلٍ ثُمَّ يَقُولُونَ الْحُكْمُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مَقْطُوعٌ، وَمُخَالِفُهُ كَافِرٌ وَفَاسِقٌ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا الْفَرْعَ أَقْوَى مِنَ الْأَصْلِ وَذَلِكَ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ.
سَلَّمْنَا دِلَالَةَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ لَكِنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَكُلُّ مَا فِيهِ مَنْعٌ لِكُلِّ الْأُمَّةِ مِنَ الْقَوْلِ "بِالْبَاطِلِ"* وَالْفِعْلِ الْبَاطِلِ كَقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون} [1] {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلْ} [2]؛ وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَجُوزُ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُتَصَوَّرًا.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَثِيرٌ، مِنْهَا: قِصَّةُ مُعَاذٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِيهَا ذكر الإجماع، ولو كان ذلك مدرجًا شَرْعِيًّا لَمَا جَازَ الْإِخْلَالُ بِذِكْرِهِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ أمتي" [3].

* في "أ": الباطل.

[1] جزء من الآية "169" البقرة والآية "33" من سورة الأعراف.
[2] جزء من الآية "188" من سورة البقرة.
[3] أجرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو، كتاب الإمارة، باب قوله: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" "1924". وأخرجه الطبراني عن عقبة "17/ 870" عن أحمد بن رشدين عن أحمد بن صالح عن ابن وهب وأيضًا من طريق سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب "17/ 869". وابن حبان في صحيحه "6836".
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 202
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست