responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 144
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: لَا بُدَّ فِي الْعَدْلِ مِنْ أَرْبَعِ شَرَائِطَ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابُ الْمَعْصِيَةِ، وَأَنْ لَا يَرْتَكِبَ مِنَ الصَّغَائِرِ مَا يَقْدَحُ فِي دِينٍ أَوْ عِرْضٍ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ مَا يُسْقِطُ الْقَدَرَ وَيُكْسِبُ النَّدَمَ، وَأَنْ لَا يَعْتَقِدَ مِنَ الْمَذَاهِبِ مَا يَرُدُّهُ أُصُولُ الشَّرْعِ.
قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: الثِّقَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الْخَبَرِ، فَمَتَى حَصَلَتِ الثِّقَةُ بِالْخَبَرِ قُبِلَ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ: هِيَ مُحَافَظَةٌ دِينِيَّةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ فَزَادَ قَيْدَ عَدَمِ الْبِدْعَةِ، وَقَدْ عَرَفْتَ مَا هُوَ الْحَقُّ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فِي الشَّرْطِ الَّذِي مَرَّ قَبْلَ هَذَا.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ: إِنَّهَا التَّمَسُّكُ بِآدَابِ الشَّرْعِ فَمَنْ تمسك بها فعلًاوتركا فَهُوَ الْعَدْلُ الْمَرْضِيُّ، وَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ الْإِخْلَالُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ يَقْدَحُ فِي دِينِ فَاعِلِهِ أَوْ تَارِكِهِ، كَفِعْلِ الْحَرَامِ وَتَرْكِ الْوَاجِبِ فَلَيْسَ بِعَدْلٍ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ الْمُخْتَلِفَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَحْوَالِ، فَلَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ الدِّينِيِّ الَّذِي تَنْبَنِي عَلَيْهِ قَنْطَرَتَانِ عَظِيمَتَانِ وَجِسْرَانِ كَبِيرَانِ وَهُمَا الرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ.
نَعَمْ مَنْ فَعَلَ مَا يُخَالِفُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ مُرُوءَةً عُرْفًا لَا شَرْعًا فَهُوَ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ ذَهَابَ مُرُوءَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلِ الْمَعَاصِي مُنْقَسِمَةٌ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ أَمْ هِيَ قِسْمٌ وَاحِدٌ؟
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم} [1] وقوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَان} [2]، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاتِرًا مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ الذُّنُوبِ بِاسْمِ الْكَبَائِرِ وَبَعْضِهَا بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَمِنْهُمُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالْجُوَيْنِيُّ وَابْنُ فُورَكَ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا كَبَائِرُ. وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَعْضِهَا صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ كَمَا يُقَالُ الزِّنَا صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُفْرِ وَالْقُبْلَةُ الْمُحَرَّمَةُ صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزِّنَا وَكُلُّهَا كَبَائِرُ.
قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْه} : إِنْ تَجْتَنِبُوا الْكُفْرَ كُفِّرَتْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتُكُمُ الَّتِي هي دون الكفر، والقول الأول راجح.

[1] جزء من الآية 31 من سورة النساء.
[2] جزء من الآية 7 من سورة الحجرات.
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 144
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست