اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 438
أبو داود بسند صحيح، وليس فيه ذكر الاستخلاف، وإنما قال الراوي: ثم أومأ إليهم أن مكانكم، وبين العراقي أن الاستخلاف وقع من عمر وعلي، وعند البخاري استخلاف عمر في قصة طعنه.
بل إننا نراه -تحقيقًا لأمانة العلم وإيثارًا لها على الأشخاص- يسجل على حجة الإسلام روايته لأحاديث يصفها العراقي -تارة- بأنها منكرة جدًّا، وتارة بأنها موضوعة أو نحو ذلك فمن ذلك خبر جابر: "من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنة" قال العراقي: ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من رواية محمد بن نعيم، وقال أحمد بن حنبل: هذا باطل كذب.
ولعله يسعنا في هذا المقام أن نسجل على الإمام الغزالي -وهو الفيلسوف المسلم الحكيم، والفقيه العليم- الخطأ البين في رواية هذا الحديث وأمثاله من الموضوعات، فإنها تجرئ الناس -في ظل هذه الترغيبات البراقة، التي تكثر فيها المكافآت الخارجة عن العقل والنقل- على عمل التافه من الأمور، والذي قد يكون بمقتضى عمومه غير مشروع، فيتمسك به العصاة والمستهترون، ويحتجون به على من يحاولون توجيههم إلى الخير بردهم عن العصيان والاستهتار.
وقد نرى الإمام العراقي متجاوبًا مع الغزالي في مقام يورد فيه كلمة الأخبار مجملة فيفصلها العراقي بذكر هذه الأخبار مع تخريج كل منها، وذلك كما أورد الغزالي -نقلًا عن أبي طالب المكي- إن الكبائر سبع عشرة نقلها من جملة الأخبار، فقال العراقي في تخريجه: وسأذكر ما ورد منها مرفوعًا، وقال على طريقته: وقد تقدم أربعة منها في حديث عبد الله بن عمرو، ثم ساق بقية الأحاديث الواردة وخرجها حديثًا حديثًا بما فيها من الموقوفات، ثم اعتذر عن ذلك فقال: وإنما ذكرت الموقوفات حتى يعلم ما ورد من المرفوع وما ورد من الموقوف[1].
ونظير ذلك أن الغزالي قال: إن الأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بكذا وكذا أكثر من أن تحصى ... فعلق عليه العراقي بقوله: الأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بالسموات والأرضين وأجزاء النبات ... ثم ساق عدة أخبار في هؤلاء الملائكة[2].
ومما يتصل بهذا أنه يذكر للخبر عدة روايات ثم يعقب عليه بأنها كلها ضعيفة، أو لا يصح منها شيء، وذلك كما في خبر: "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم" قال الغزالي: وفي رواية "ينفي الفقر قبل الطعام وبعده" فذكر العراقي عدة روايات في هذا الخبر، من بينها ما هو لأبي داود والترمذي، ثم قال: كلها ضعيفة[3]، وكما في خبر: "الإنسان عيناه هاد، وأذناه قمع، ولسانه ترجمان، ويداه جناحان ... " قال العراقي: أخرجه أبو نعيم في الطب، والطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة نحوه، ولأحمد من حديث أبي ذر: [1] المغني ج4 ص17 وما بعدها. [2] المغني ج4 ص121. [3] المغني ج2 ص3.
اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 438