اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 414
هذا الفن، وذكر لطيفة، وهي أن المشهور يطلق على ما حرر هنا وعلى ما اشتهر على الألسنة فيشمل ما له إسناد واحد فصاعدًا، بل ما ليس له إسناد أصلًا.
وإذا انتقلنا إلى العزيز[1] وجدناه يوضح قوله في المتن "وليس شرطًا للصحيح خلافًا لمن زعمه" فيقول: إن ذلك الزاعم هو أبو علي الجبائي من المعتزلة، وإليه يومئ كلام الحاكم أبي عبد الله في علوم الحديث حيث قال: الصحيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة، بأن يكون له راويان، ثم يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة، وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه على البخاري بأن ذلك شرط البخاري، وأجاب عما أورد عليه من ذلك بجواب فيه نظر، ثم ذكر ما قيل في حديث: "الأعمال بالنيات"، وجواب القاضي الضعيف عن انفراد رواته، ثم نقل عن ابن رشيد قوله: ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادعى أنه شرط البخاري أول حديث مذكور فيه، ثم قال: وادعى ابن حبان نقيض دعوى القاضي فقال: إن رواية اثنين عن اثنين إلى النهاية لا توجد أصلًا، ورد ذلك ردًّا مفحمًا، وأورد مثاله من الصحيحين، وهو حديث أنس: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه ... " الحديث، وهذه من نفائس الفن.
وهكذا نجده سلك ذلك المسلك الذي يشحن الأفئدة بالمعارف المتتابعة، ولولا أنه فني بارع لما استطاع أن ينفع قراءه بهذه النفائس القيمة.
ولا بد أن نذكر -على سبيل المثال- ما أورده في المرسل الخفي[2] إذا صدر عن معاصر لم يلق من حدث عنه، بل بينه وبينه واسطة، فقد ذكر الفرق بين المدلس والمرسل الخفي فقال: إنه دقيق حصل تحريره بما ذكر هنا، وهو أن التدليس يختص بمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقي لزمه دخول المرسل في تعريفه، والصواب التفرقة بينهما، ثم برهن على ذلك، وأطال في برهانه عليه.
ونذكر -على سبيل المثال أيضًا- أنه ذكر الموضوع[3] وهو المطعون فيه بكذب راويه في الحديث، فاستطرد بقوله: إن الحكم بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب لا بالقطع، إذ قد يصدق الكذوب، لكن لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك، وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تامًّا وذهنه ثاقبًا، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكنة، وقد لا يعرف الوضع بإقرار واضعه، قال ابن دقيق العيد: لكن لا يقطع بذلك لجواز أن يكون كذب في ذلك الإقرار ... ا. هـ. وفهم منه بعضهم أنه لا يعمل بذلك الإقرار أصلًا، وليس ذلك [1] نخبة الفكر ص5. [2] نخبة الفكر ص18. [3] نخبة الفكر ص19.
اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 414