اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 284
أضف إلى ذلك أن مؤلف الكتاب كان حريصًا على استيعاب تلك الأحاديث مهما تكرر الحديث الواحد منها، علمًا منه -وهو من أئمة هذا الشأن- أن لتعدد الروايات فوائد عظيمة، منها الانتفاع باختلاف الروايات -بين بعض الألفاظ وبعض تارة، وبالزيادة والنقص تارة- في شرح لغامض، أو بيان لمجمل، أو إيضاح لمبهم، وفيه -في نفس الوقت- تقوية للأحاديث، برفع رتبة الضعيف منها إلى الحسن تارة، والحسن منها إلى الصحيح أخرى، ومن أجل ذلك، فإن المؤلف لا يمل من تكرار الأحاديث تقديرًا لأمانة العلم، وحرصًا على تقديم الفوائد المتعددة من هذا التكرار.
ونبادر هنا فنذكر على سبيل المثال أنه أورد في خطبة حجة الوداع -تحت عنوان الخطب في الحج- ثمانية عشر حديثًا مختلفة الروايات في هذا المقام[1].
هذا: وإنه بهذا التصرف قد أراح نفوسًا كثيرة، وأغناها عن البحث عن تلك المعاجم والمسانيد التي نقل منها هذه الزوائد، حيث أصبحت في غير حاجة إلى طلبها والحرص على تحصيلها لأن ما زاد فيها عن الكتب الستة قد أصبح وافيًا على طرف الثمام، وهو مجمع في أبوابه، متضام كل إلف فيه إلى إلفه، بأسلوب بين غثه من سمينه، بل إنه ربما أصلح من شأن الغث بإلحاقه بالسمين بما نشأ من تلك الشواهد والاعتبارات التي كانت نتيجة لذلك التكرير.
فهذه الأصول التي استقي منها المؤلف زوائده فوق أنه يعز الحصول عليها لندرتها أو فقد بعضها الآن، فإنها إذا وجدت يعز الوصول -على الخاصة بله العامة- إلى تجميع أحاديثها تحت عناوينها التي تربط بعضها ببعض، ولئن تم ذلك فإنه يحتاج إلى بيان مرتبة كل حديث منها، وهيهات أن يتم ذلك لغير متخصص ممتاز من أمثال صاحب هذا الكتاب رحمه الله وأحسن جزاءه، فقد عني بهذا الأمر عناية زادت من قيمة كتابه، ودلت على تمكنه ورجحانه على غيره ممن حاولوا تلك المحاولة، فأضحى كتابه للدارس مستغنيًا عن أن يبذل فيه مجهود آخر لنعرف ما فيه من مراتب الحديث.
ومما يؤيدنا في اعتبار تلك المسانيد -قبل فرز الزوائد منها- في درجة لا تصلح للتعويل عليها كثيرًا، ولا تصلح مصدرًا لغير المتخصصين من أئمة هذا الشأن أن الإمام العارف الشيخ أحمد شاه المعروف بشاه الدهلوي قال -وهو بصدد إيراد طبقات كتب الحديث: إن هناك طبقة ثالثة -وأورد فيها المسانيد والمصنفات التي صنفت قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما- جمعت بين الصحيح والحسن والمعروف والغريب والشاذ والمنكر والخطأ والصواب والثابت والمقلوب، ولم تشتهر بين العلماء ذلك الاشتهار وإن زال عنها اسم النكارة المطلقة، ولم يتداول ما تفردت به الفقهاء "يعني أحاديث الزوائد" ولم يفحص عن صحتها وسقمها المحدثون كثير فحص، ومنه ما لم يخدمه لغوي بشرح غريب، ولا فقيه لتطبيقه بمذاهب السلف، ولا محدث [1] مجمع الزوائد ج94 ص265.
اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 284