اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 237
فإن الأحاديث القدسية تكون بهذا خارجة عن القرآن من أول التعريف؛ لأنها ليست من كلام الله بهذا الاعتبار.
والحق أن الأحديث القدسية معناها من الله تعالى ولفظها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تختلف بهذا الاعتبار عن الأحاديث النبوية، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين يضيفها إلى الله عز وجل إنما يفعل ذلك في أمر يريد أن ينبه إليه النفوس ويوقظها اعتناء بشأنه، كما يتجلى ذلك في أغراض الأحاديث القدسية ومعانيها التي تدور حولها.
وقد فرق بعضهم[1] بين الحديث القدسي والقرآن بفروق: منها أن نزول القرآن لا يكون إلا بواسطة الروح الأمين ويكون مقيدًا باللفظ المنزل من اللوح المحفوظ، ثم يكون نقله متواترًا قطعيًّا، ومنها عدم صحة الصلاة بالأحاديث القدسية، وعدم حرمة لمسها وقراءتها للجنب والحائض، وعدم تعلق الإعجاز بها، وعدم كفر جاحدها، ونقل عن كل من الكرماني -شارح البخاري- والطيبي وابن حجر ما يؤيد هذه الفروق.
ويرجع مبدأ التأليف في هذا النوع -فيما انتهت إليه دراستنا- إلى القرن السابع الهجري الذي نشأ فيه محيي الدين بن عربي المتوفى سنة ثمان وثلاثين وستمائة للهجرة[2] فقد ذكر في بعض تراجمه أنه جمع في الأحاديث القدسية مائة حديث وواحدًا[3]، وسماه مشكاة الأنوار فيما روي عن الله سبحانه وتعالى من الأخبار، ثم تبعه الشيخ الإمام ملا علي القارئ المتوفى سنة أربع عشرة وألف للهجرة، وقد نقل الزركلي أنه ألف أربعين حديثًا مخطوطة في الأحاديث القدسية[4].
ثم جاء من بعده الشيخ عبد الرءوف المناوي[5] المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف -على ما ذكره صاحب الرسالة المستطرفة وذكر أنه الصواب في تاريخ وفاته- فألف في الأحاديث القدسية كتابًا سماه الإتحافات السنية، أورد فيه ما وقف عليه منها، مرتبًا إياه على حروف المعجم في مجلد لطيف، لكن بغير إسناد، ثم جاء من بعده الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف، فجمع في الأحاديث القدسية كتابًا لم يذكر عدد أحاديثه، ولكنه يذكر في ترجمة الشيخ النابلسي دون بيان لاسم كتابه هذا أو عدد أحاديثه، ثم جاء من بعد ذلك عالم جليل هو الشيخ محمد المدني من فقهاء الحنفية المتوفى سنة مائتين وألف للهجرة، فألف كتابًا سماه باسم كتابنا هذا -الإتحافات السنية- حشد فيه أكثر ما وصل إليه علمنا من المؤلفات حيث جمع ما بلغ به أربعا وستين وثمانمائة حديث قدسي، وقال في آخره: هذا قصارى ما وجدته من الأحاديث القدسية بالتتبع، والاستقراء يقتضي أكثر من هذا، وبين أن غالبها مأخوذ من جميع الجوامع للسيوطي، ومن غيره قليلًا كما هو مبين في غزو الأحاديث إلى مآخذها. [1] الإتحافات السنية للشيخ محمد المدني ص302 طبع مكتبة الكليات سنة 1970م. [2] شذرات الذهب ج5 ص190. [3] الرسالة المستطرفة ص61. [4] من مقدمة الإتحافات السنية ص8. [5] الرسالة المستطرفة ص61 و138.
اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 237