اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 151
وفي كتب المصطلح تناوُل لهذا الكتاب، وما وجه إليه من نقد، وما دفع به عنه، ولا يتسع مجالنا الآن لإيراد ذلك، فإن المقصود بيان أن الموطأ من أهم أسس الكتب الحديثية الخاصة بالأحكام إن لم يكن هو الأساس الأول لتلك الكتب.
ولا بد أن نشير إلى أن الموطأ من الكتب العظيمة التي اتجهت إليها عناية العلماء والمحدثين بالشرح، حتى قال القاضي عياض: إنه لم يعتن بكتاب من كتب الحديث والعلم اعتناء الناس بالموطأ، فقد شرحه ابن عبد البر بكتاب سماه التمهيد والاستذكار، وشرحه أبو الوليد بن الصفار بكتاب سماه "الموغب"، وشرحه أبو محمد بن السيد البطليموسي النحوي بكتاب سماه "المقتبس"، وشرحه القاضي أبو بكر بن العربي بكتاب سماه "القبس"، وشرحه أبو الوليد الباجي بثلاثة شروح: "المنتقى والأسماء والاستيفاء"، كما شرحه السيوطي بكتابه الذي سماه كشف المغطى في شرح الموطأ، وكتابه الآخر تنوير الحوالك، وقدم له بمقدمة شحنها بكثير من الفوائد، وهي التي رجعنا إليها في تصويرنا لهذا الكتاب والحديث عنه.
ومن العلماء من وجه عنايته إلى شرح غريبة فقط، منهم الأخفش، والبرقي، وأبو القاسم العثماني المصري.
ومنهم من ألف في رجاله فقط، كأبي عبد الله بن الحذاء، وأبي عبد الله بن المفزع، والبرقي، وللسيوطي كتاب في رجاله سماه: "إسعاف المبطأ برجال الموطأ".
ولا يفوتنا -قبل مغادرة الحديث عن هذا الكتاب الجليل- أن نشير إلى الناحية البارزة فيه، وهي أنه أورد بجانب الأحاديث النبوية من أقوال الصحابة والتابعين ما قدر بثمانية وتسعين وثمانمائة من الآثار: الموقوف منها ثلاثة عشر وستمائة، والمقطوع خمسة وثمانون ومائتان، وهو ما يربو على نصف الكتاب، وللإمام وجهته في ذلك، فإنه انتفع بتلك الآثار وأفاد بها فائدة جليلة فوق ما أورده من الأحاديث: مسانيدها ومرسلها.
إن من هذه الآثار ما كان يوجه إلى أحكام مستقلة لم تسعفه رواية الحديث بها، ومن ذلك الأثر الذي رواه عن سالم بن عبد الله دليلًا على منع تغطية الفم في الصلاة، من أنه كان إذا رأى من يغطي فاه بثوبه وهو يصلي جبذ الثوب جبذًا شديدًا[1].
ومن ذلك ما نقله عن ابن عمر من أن في قُبلة الرجل امرأته وجسها الوضوء، ونقل مثله عن ابن مسعود بلاغًا، ومثلهما عن ابن شهاب من التابعين، ولم يذكر حديثًا في هذا الموضوع[2].
ومنها ما يشير إلى خلاف في الرأي بين بعض الصحابة وبعض، أو بين بعض الصحابة وبعض التابعين، وذلك كما أورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قدم من العراق، فدخل عليه بعض الصحابة فقرب له طعامًا قد مسته النار فتوضأ أنس، ولم يتوضأ الآخر. [1] تنوير الحوالك: ج1 ص30. [2] تنوير الحوالك ج1 ص50.
اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 151