responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : علم الجرح والتعديل المؤلف : عبد المنعم السيد نجم    الجزء : 1  صفحة : 61
لماذا لَا نجرح الصَّحَابَة!
لأَنهم الَّذين شهدُوا الْوَحْي والتنزيل، وَعرفُوا التَّفْسِير والتأويل، وهم الَّذين اخْتَارَهُمْ الله لصحبة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونصرته، وَإِقَامَة دينه وَإِظْهَار حَقه فرضيهم لَهُ صحابة.
وجعلهم لنا أعلاما وقدوة. فحفظوا عَنهُ مَا بَلغهُمْ عَن الله عز وَجل، وَمَا سنّ وَمَا شرع وَحكم وَقضى، وَندب وَأمر وَنهى وحظر وأدب.
فالصحابة رَضِي الله عَنْهُم هم النَّاس بِكِتَاب الله وَسنة رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم وانظروا قَضَاءَهُ وَحكمه فِيمَا اخْتلف النَّاس فِيهِ، وشهدوا أخلاقه وآدابه، وأحواله وتصرفه فِي السّلم وَالْحَرب والمعاهدات، وَأُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، واستقى كل مِنْهُم بِقدر استعداده من ينبوع الْفَيْض الرباني.

فِيهَا وَلم يظْهر لَهُم تَرْجِيح أحد الطَّرفَيْنِ فاعتزوا الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ هَذَا الاعتزال هُوَ الْوَاجِب فِي حَقهم لِأَنَّهُ لَا يحل الْإِقْدَام على قتال مُسلم حَتَّى يظْهر أَنه مُسْتَحقّ لذَلِك وَلَو ظهر لهَؤُلَاء رُجْحَان أحد الطَّرفَيْنِ وَأَن الْحق مَعَه لما جَازَ لَهُم التَّأَخُّر عَن نصرته فِي قتال الْبُغَاة عَلَيْهِ فكلهم معذورون رَضِي الله عَنْهُم..".
وَلِهَذَا اتّفق أهل الْحق وَمن يعْتد بِهِ فِي الْإِجْمَاع على قبُول شهاداتهم ورواياتهم وَكَمَال عدالتهم رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَعَن تَحْرِيم سبهم روى مُسلم بِسَنَدِهِ عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ: رَسُول الله صلى عَلَيْهِ سلم: " لَا تسبوا أَصْحَابِي، لَا تسبوا أَصْحَابِي، فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن أحدكُم أنْفق مثل أحد ذَهَابًا مَا أدْرك مد أحدهم وَلَا نصيفه.." وروى بِسَنَدِهِ عَن أبي صَالح عَن أبي سعيد قَالَ: كَانَ بَين خَالِد بن الْوَلِيد وَبَين عبد الرَّحْمَن بن عَوْف شَيْء فَسَبهُ خَالِد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لَا تسبوا أحدا من أَصْحَابِي فَإِن أحدكُم لَو أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مد أحدهم وَلَا نصيفه.." قَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَسَب الصَّحَابَة من الْمعاصِي الْكَبَائِر ومذهبنا وَمذهب جُمْهُور أَنه يُعَزّر وَلَا يقتل وَقَالَ الْمَالِكِيَّة يقتل"[1] قَالَ الْخطابِيّ: النصيف بِمَعْنى النّصْف كَمَا قَالُوا الثمين بِمَعْنى الثّمن وَالْمعْنَى أَن جهد الْمقل مِنْهُم واليسير من النَّفَقَة الَّذِي أنفقوه فِي سَبِيل الله مَعَ شدَّة الْعَيْش والضيق الَّذِي كَانُوا فِيهِ أوفى عِنْد الله وأزكى من الْكثير الَّذِي يُنْفِقهُ من بعدهمْ" [2].
قَالَ القَاضِي عِيَاض: "وَيُؤَيّد هَذَا مَا جَاءَ عَن الْجُمْهُور من تَفْضِيل الصَّحَابَة كلهم على جَمِيع من بعدهمْ، وَسبب تَفْضِيلهمْ نَفَقَتهم أَنَّهَا كَانَت فِي وَقت الضَّرُورَة وضيق الْحَال بِخِلَاف غَيرهم، وَلِأَن إنفاقهم كَانَ فِي نصرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحمايته، وَذَلِكَ مَعْدُوم بعده وَكَذَلِكَ جهادهم وَسَائِر طاعاتهم وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا..} الْآيَة [3] هَذَا كُله مَعَ مَا كَانَ فِي أنفسهم من الشَّفَقَة والتودد والخشوع والتواضع وإيثار الْجِهَاد فِي الله حق جهاده وفضيلة الصَّحَابَة وَلَو لَحْظَة لَا يوازيها عمل وَلَا تنَال درجتها بِشَيْء والفضائل لَا تُؤْخَذ بِقِيَاس، ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء". وروى الْخَطِيب بِسَنَدِهِ عَن أبي زرْعَة يَقُول: "إِذا رَأَيْت الرجل ينتقص أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاعْلَم أَنه زنديق.. وَذَلِكَ أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا حق وَالْقُرْآن حق وَإِنَّمَا أُدي إِلَيْنَا هَذَا الْقُرْآن وَالسّنَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ سلم, وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الْكتاب وَالسّنة وَالْجرْح بهم أولى وهم زنادقة" [4].

[1] صَحِيح مُسلم بشرح النَّوَوِيّ جـ 16 ص 92
[2] مُخْتَصر الْمُزنِيّ مَعَ معالم السّنَن جـ 7 حَدِيث 4493 ص 34
[3] الْحَدِيد آيَة 10
[4] الْكِفَايَة للخطيب الْبَغْدَادِيّ ص 97
اسم الکتاب : علم الجرح والتعديل المؤلف : عبد المنعم السيد نجم    الجزء : 1  صفحة : 61
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست