responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شذرات من إتحاف الأريب بأحكام مراتب تقريب التهذيب المؤلف : أحمد شحاتة السكندري    الجزء : 1  صفحة : 5
وَالْخُلاصَةُ: أَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمُجْمَعَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَا جَمَعَ شُرُوطَاً خَمْسَةً: اتِّصَالَ السَّنَدِ، وَعَدَالَةَ الرُّوَاةِ، وَضَبْطَهُمْ، وَالسَّلامَةَ مِنَ الشُّذُوذِ، وَمِنَ الْعِلَّةِ الْقَادِحَةِ. فَهَذِهِ بِاتِّفَاقِهِمْ خَمْسَةُ أَرْكَانٍ، لا تَنْقُصُ وَاحِدَاً.
وَهَذَا بِخِلافِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنْ يَكُونَ سَالِمَاً مِنَ الشُّذُوذِ وَالْعِلَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ.
وَلِذَا قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الإِلْمَامِ: «إنَّ لِكُلٍّ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ طَرِيقَاً غَيْرَ طَرِيقِ الآخَرِ، فَإِنَّ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الأُصُولِ وَالْفِقْهِ أَنَّ الْعُمْدَةَ فِي تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ عَدَالَةُ الرَّاوِي وَجَزْمُهُ بِالرِّوَايَةِ، وَنَظَرُهُمْ يَمِيلُ إِلَى اعْتِبَارِ التَّجْوِيزِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ صِدْقُ الرَّاوِي وَعَدَمُ غَلَطِهِ، فَمَتَى حَصَلَ ذَلِكَ، وَجَازَ أَلا يَكُونَ غَلَطَاً، وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ رِوَايَتِهِ وَرِوَايَةِ مَنْ خَالَفَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْجَائِزَةِ لَمْ يُتْرَكْ حَدِيثُهُ. فَأَمَّا أَهْلُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْعُدُولِ، ثُمَّ تَبْدُو لَهُمْ عِلَلٌ تَمْنَعُهُمْ عَنِ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ» .
قُلْتُ: فَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْكَلامِ وَأَصْرَحِهِ فِي تَبَايُنِ الاصْطِلاحَيْنِ: الْفِقْهِيِّ، وَالْحَدِيثِيِّ فِي تَقْرِيرِ الْمَبَادِئِ، وَتَحْرِيرِ الْقَوَاعِدِ الْمُقْتَضِيَةِ لِقَبُولِ الأَخْبَارِ أَوْ رَدِّهَا.
وَأَمَّا عَمَلُ الْمُعَاصِرِينَ، وَمَنْهَجُهُمُ الْمُتَعَجِّلُ الْمَذْكُورُ آنِفَاً، فَأَكْثَرُ مُبَايَنَةً، وَأَوْسَعُ خِلافَاً مِنْ ذَا، فَهُوَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمُعَادَلاتِ الرِّيَاضِيَّةِ الْبسِيطَةِ، الَّتِي يَعْتَقِدُ الْمُبْتَدِئُ فِي الْعِلْمِ عُمُومَ الاعْتِمَادِ عَلَيْهَا فِي حَلِّ الْمَسَائِلِ الْمُرَكَّبَةِ وَالْبَسِيطَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَهُوَ كَالتَّلْفِيقِ بَيْنَ عَمْلِ الْمُحَدِّثِينَ وَعَمَلِ الْفُقَهَاءِ، فِي صُورَةِ مُعَادَلات رِيَاضِيَّةٍ سَاذِجَةٍ، كَانَ مِنْ نَتَائِجِهَا الشَّاذَّةِ: أَنَّ يُضَعِّفَ أَحَدُهُمْ صَحِيحَاً تَلَقَّاهُ الأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ بِالْقَبُولِ وَصَحَّحُوهُ، أَوْ يُصَحِّحَ ضَعِيفَاً مُنْكَرَاَ هَجَرُوهُ وَأَنْكَرُوهُ. وبِمِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ الْمُتَهَافِتِ جَاءَ الْكَثِيْرُ مِنْ أَحْكَامِهِمْ شَاذَّاً مُخَالِفَاً لأَحْكَامِ الأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّميِنَ، سِيَّمَا التَّسَاهُلَ فِي تَصْحِيحِ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْمَنَاكِيْرِ وَالأَبَاطِيلِ.
وَالْمَقْصُودُ: الإِيْقَاظُ وَالتَّنْبِيهُ بِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ عَدِيْمُ الْجَدْوِى، وَلَوْ صَادَفَ الصَّوَابَ فِي بَعْضِ اسْتِعْمَالاتِهِ. وَالْحَقُّ الَّذِي لا مِرْيَةَ فِيهِ: أَنَّ الصَّوَابَ الْمَحْضَّ مُسْتَسَاغٌ كَاللَّبَنِ «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنَاً خَالِصَاً سَائِغَاً لِلشَّارِبِينَ» ، وَأَنَّ أَحْكَامَ الْكَتَبَةِ الْمُفَهْرِسِينَ لَيْسَتْ كَأَحْكَامِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، فَـ «لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيْرٍ» .
وَلِهَذَا وَلاعْتِبَارَاتٍ أُخْرَى، لَمْ يُرِدِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ مَرْتَبَةِ الرَّاوِي مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَبَيْنَ الْحُكْمِ عَلَى حَدِيثِهِ صِحَّةً أَوْ حُسْنَاً أَوْ ضَعْفَاً، لِوُجُوبِ أَنْ يَنْضَافَ إلَى الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ أَرْكَانٌ أُخْرَي كَمَا أَلْمَحْنَا فِي الإِيْضَاحِ السَّابِقِ.

اسم الکتاب : شذرات من إتحاف الأريب بأحكام مراتب تقريب التهذيب المؤلف : أحمد شحاتة السكندري    الجزء : 1  صفحة : 5
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست