اسم الکتاب : توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته المؤلف : رفعت بن فوزي عبد المطلب الجزء : 1 صفحة : 106
181- ويكفينا عن إيراد هذه الأدلة ما ذكره الإمام الشافعي، ولكننا نذكر هنا ما أورده السرخسي من مناقشة عقلية بعيدة عن تلك الآثار -استكمالا لصورة الدفاع، وعرضًا لجانب هام من جوانبه الذي قدمه الأحناف ولا يبعد أن يكون أصوليوهم قد نقلوه عنهم.
182- لم يهتم السرخسي إذن بإيراد الآثار التي أوردها الشافعي وعيسى ابن أبان؛ أولًا لشهرتها ... وثانيًا لأن الخصوم -كما قلنا- سيقولون: كيف يحتجون على وجوب العمل بخبر الواحد من الأخبار، وهو نفس الخلاف[1]؟ ولهذا فقد اتجه اتجاهًا آخر هو ما نبينه هنا:
1-قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [2] الآية الكريمة. وقال جل شأنه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَه} [3]، ففي هاتين الآيتين نهى كل واحد عن الكتمان، وأمر بالبيان والتبيلغ؛ لأن الحكم في الجمع المضاف إلى جماعة يتناول كل واحد منهم؛ ولأن أخذ الميثاق من أصل الدين، والخطاب للجماعة فيما هو أصل الدين يتناول كل واحد من الآحاد، وهذا يقتضي من المبلغ القبول والعمل بما جاء به المبلغ أو المخبر. "فكل واحد إنما يخاطب بما في وسعه، ولو لم يكن خبره حجة لما أمر ببيان العلم4".
وإذا كان الفاسق يدخل في هذين النصين، فإنه مخصوص منهما بنص آخر، وهو قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [6] ففيه أمر بالتوقف في خبر الفاسق[5].
وقال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ [1] أصول السرخسي جـ1 ص138. [2] البقرة: 159. [3] آل عمران: 187.
4 أصول البزدوي جـ2 ص691. [5] الحجرات: 6. [6] أصول السرخسي 1/ 322.
اسم الکتاب : توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته المؤلف : رفعت بن فوزي عبد المطلب الجزء : 1 صفحة : 106