يَطيفُ بي في المدينةِ فيُريني آثارَ منازلِ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيقولُ: هذا المنزلُ كان لفلانٍ، إلى أن جاء إلى منازلَ خَرِبةٍ، فقال: هذه المنازلُ تَراها خَرابًا، إنما خَرَّبها سبُّ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم!.
469 - وكان عبيدُ اللهِ بنُ طاهرٍ أبو عليٍّ (1) - وهو والدُ مُسَلَّمٍ (2) - كان من أزهدِ الناسِ وأورعِهم، وكان ليلةً في رمضانَ في مسجدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان يُصلِّي التراويحَ، فمرَّ به [أبوه] (3) طاهرٌ (4) فقال: ارجعْ سريعًا؛ فإن عندنا قومًا من أعمامِكَ. فأشار إليه في الصلاةِ بيدِه: لا. فرجع طاهرٌ إلى العقيقِ، فما كان بأسرعَ أن لَحِقَ به الابنُ عبيدُاللهِ، فدقَّ البابَ، فقال: افتحوا له، ثم قال: لابدَّ وأن تَضعَ رِجْلَكَ على حُرِّ وَجهي. فلم يزلْ به حتى فعل، ثم قال: إن أحببتَ أن ترضى عنِّي، وتأذنَ لي في الرُّجوعِ إلى حِزْبي، فعلتُ. فأَذِنَ له، وأمر بالشُّموعِ فَحُمِلَ (5) بين يدَيه، ورجع إلى المسجدِ.
(1) هو: أبو علي عبيد الله بن طاهر بن يحيى النسَّابَة، والد أبي جعفر محمد المذكور في النص السابق، وهو جدُّ آل مُهَ-نَّا، وكان نقيبَ المدينة النبوية، توفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة. ترجمته في: "بغية الطلب" لابن العديم (5/2410) ، و"التحفة اللطيفة" للسخاوي (1/467) .
(2) هو: محمد بن عبيد الله المتقدم في النص السابق، ومُسَلَّمٌ لقبه.
(3) في الأصل: «أبو» ، وهو تصحيف يدلُّ عليه السياق.
(4) تقدمت ترجمته في التعليق على النص السابق.
(5) كذا في الأصل، والجادَّة تأنيث الفعل: «فحملت» ؛ لأن الفاعلَ ضميرٌ عائدٌ على «الشُّموع» ، لكنَّ ما في الأصل يمكن أن يخرَّج على أنه من باب الحمل على المعنى بتذكير المؤنث، والمعنى: «فحُمِلَ المذكورُ وهو الشُّموع» ، والله أعلم.
وانظر في الحمل على المعنى: "كتاب سيبويه" (3/565- 566) ، و"المقتضب" للمبرِّد (2/148-149) ، و"إعراب الحديث النبوي" للعكبري (ص143 و148 -[360]- و390) ، و"الخصائص" (2/411-415 فصل في الحمل على المعنى) ، و"الأشباه والنظائر" للسيوطي (3/167- 168) .