الحديث، التي أصبحت بعيدة شاسعة عن متناول أيدي أهل العلم، وأبحاث سامية فيما يتعلق بالرجال، من كتب أضاعتها يد الحدثان، ولا نرى لها عيناً، غير أثر في الكتب الأثرية، وكتب الطبقات والتراجم، من ذكر أسمائها: كصحيح - أبي عوانة. وصحيح - ابن خزيمة. وصحيح - ابن حيان. وصحيح - ابن السكن. ومصنف - ابن أبي شيبة. ومصنف - عبد الرزاق. وكثير من المسانيد. والسنن. والمعاجم، وككتاب الاستذكار، والتمهيد - لابن عبد البر، وكتاب المعرفة، والخلافيات - للبيهقي، وعدة كتب من تصانيف أبي بكر الخطيب البغدادي، وكتب ابن عدي، وكتب ابن أبي حاتم. وغيرهم.
ومن كتب المتأخرين، ككتاب الإلمام، والإمام - للحافظ تقي الدين بن دقيق العيد، وكتب ابن الجوزي كجامع المسانيد، والعلل المتناهية، وكتاب التحقيق، وغيرها من كتب أعلام الأمة، ومعالم الإسلام.
ومنها - أنه نرى فيه كلمات في موضوع الجرح والتعديل، من أئمة الفن، وجهابذة الحديث، ونقدة الرجال، ما لا نشاهده في الذخيرة التي بين أيدينا، من كتب أسماء الرجال المطبوعة المتداولة، بحيث لو أفردت منه جزء مجموع، لأصبح كتاباً ضخماً في الموضوع.
فهذه خصائص عندي، كلها على حيالها، مزايا على حدة، واليك فائدة من فوائد كتابه، تمثيلاً لما قلته.
فائدة: ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة، إذ لم يسلم من كلام الناس، إلا من عصمه الله، بل خرج في "الصحيح" لخلق ممن تكلم فيهم، ومنهم جعفر بن سليمان الضبعي. والحارث بن عبد الأيادي. وأيمن بن نابل الحبشي. وخالد بن مخلد القطواني. وسويد بن سعيد الحرثاني. ويونس بن أبي إسحاق السبيعي. وغيرهم، ولكن صاحبا الصحيح رحمهما الله إذا أخرجا لمن تكلم فيه، فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه، وظهرت شواهده، وعلم أن له أصلاً، ولا يروون ما تفرد به، سيما إذا خالفه الثقات، كما أخرج مسلم لأبي أويس حديث: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي: لأنه لم يتفرد به، بل رواه غيره من الأثبات، كمالك، وشعبة، وابن عيينة، فصار حديثه متابعة، وهذه العلة راحت على كثير ممن استدرك على
عَبْدُ الْحَكَمِ الْقَسْمَلِيُّ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْمُثَنَّى عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ "تَجْرِي الْأَصَابِعُ مَجْرَى السِّوَاكِ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى، أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك رَغَّبْتَنَا فِي السِّوَاكِ، فَهَلْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: "إصْبَعُك سِوَاكٌ عِنْدَ وضوءك، تَمُرُّ بِهَا عَلَى أَسْنَانِك، إنَّهُ لَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَلَا أَجْرَ لِمَنْ لَا حِسْبَةَ لَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْحَمَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِصْبَعُ يُجْزِئُ مِنْ السِّوَاكِ" انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْمَعْنَى: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَذْهَبُ فُوهُ[1] يَسْتَاكُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: "يُدْخِلُ إصْبَعَهُ فِي فِيهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى[2].
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَضْمَضَةِ. وَالِاسْتِنْشَاقِ – أَنَّهُ فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ،
قُلْت: الَّذِينَ رَوَوْا صِفَةَ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ[3] عِشْرُونَ نَفَرًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ. وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ. وَالرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ. وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأَبُو بَكْرَةَ. وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٌ. وَنُفَيْرٌ أَبُو جُبَيْرٍ الْكِنْدِيُّ. وَأَبُو أُمَامَةَ. وَعَائِشَةُ. وَأَنَسٌ. وَكَعْبُ بْنُ عمرو اليمامي. وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ. وَأَبُو كاهل، وكلهم حكوا في المضمضمة وَالِاسْتِنْشَاقَ.
أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن زيد، فراوه الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ من حديث مالك بن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ[4] عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْت عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ. وَاسْتَنْشَقَ. وَاسْتَنْثَرَ، ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ [1] أي أسنانه. [2] في الدراية إسناده ضعيف، وفي التلخيص ص 25، قلت: عيسى ضعفه ابن حبان، وذكر له ابن عدي هذا الحديث، وجعله من مناكيره، اهـ. [3] ذكر هنا عشرون، والأحاديث الآتية مروية عن أحد وعشرين صحابياً، والحادي والعشرون: عبد الله بن أبي أنيس، ذكر حديثه، ولم يذكره في العديد. [4] لكن السياق سياق حديث وهيب عن عمرو بن يحيى عند البخاري: ص 32 في باب مسح الرأس مرة مع تغيير يسير، والله أعلم، وفي باب غسل الرجلين إلى الكعبين ص 31، بلفظه، من طريق وهيب أيضاً.