اسم الکتاب : التلخيص الحبير - ط العلمية المؤلف : العسقلاني، ابن حجر الجزء : 1 صفحة : 15
طريقاً يلتمس فيه علماً سهل له به طريقاً إلى الجنة" [1] وقبل أن أبين أهداف الرحلة عند المحدثين يجدر بي أن أقف عند قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" ووجه الاستدلال أن هذه المساجد الثلاثة مساوية لسائر المساجد في المسجدية، فما ميزها عن سائر المساجد بشد الرحال إليها، وطلب زيارتها للعبادة فيها إلا أنها مباني النبيين ومعاهدهم، وأمكنة غالب عبادتهم وإرشاداتهم عليهم الصلاة والسلام، فإذا طلبت زيارتها بهذا الحديث كانت زيارة أصحابها أولى[2] بالطلب وأحق بشد الرحال إليها، وهذا الاستدلال من قبيل الاستدلال بمفهوم الموافقة الذي هو أولى كما يقول الأصوليون، وذلك أمر واضح لمن نور الله بصيرته، ومن فهم من هذا الحديث منع شد الرحال لزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم أو زيارة القبور فقد وهم وما فهم. ويدخل تحت "شد الرحال" طلب العلم والرحلة لطلب الحديث للتأكد من صحة متنه أو لعلو إسناده أو لمثانته، ويدخل تحت هذا المعنى الهجرة لهذه الأسباب لقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] كما أن الاستثناء المفرغ كما في هذا الحديث يجب أن يكون فيه المستثنى من جنس المستثني منه القريب أو البعيد والقريب أولى بالتقدير؛ فالمعنى لا تشد الرحال إلى مسجد أو إلى أي مكان، والزيارة أو الرحلة في طلب العلم لا تدخل في واحد منهما حتى يتوجه النفي إليها.
وقال الحافظ العراقي: من أحسن محامل هذا الحديث أن المراد منه حكم إلى مساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد غير هذه الثلاثة أي لكونها أبنية الأنبياء. وأما قصد غير المساجد من الرحلة في طلب العلم وزيارة الصالحين والإخوان والتجارة والتنزه ونحو ذلك فليس داخلاً فيه، وقد ورد ذلك مصرحاً به في رواية أحمد ولفظه: "لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد ينبغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" [3].
وقال الشيخ تقي الدين السبكي: ليس في الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها لذلك الفضل غير البلاد الثلاثة، وأما غيرها من البلاد؛ فلا تشد إليها لذاتها بل لزيارة أو [1] من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم 4/2074 في كتاب الذكر والدعاء: باب "فضل الاجتماع على تلاوة القرآن"، حديث "38/2699"، وابن ماجة باب "فضائل العلماء والحث على طلب العلم" حديث "225". [2] الزيارة الشرعية المنصوص عليها في الكتب الصحيحة- معاذ الله! - أن نبيح الطواف بالقبور والتبرك بها وشد الرحال إليها تعبداً. [3] من حدث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد في "المسند" 1/64، وانظر كلام الشيخ الألباني على الحديث في "إرواء الغليل" 3/230.
اسم الکتاب : التلخيص الحبير - ط العلمية المؤلف : العسقلاني، ابن حجر الجزء : 1 صفحة : 15