responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نيل الأوطار المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 17
فَرَجَّحَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ الْإِرْسَالَ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالرَّهَاوِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ أَقْطَعُ» .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ. «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» . وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد عَنْهُ، وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةٍ: " أَبْتَرُ " بَدَلَ " أَقْطَعُ "، وَلَهُ أَلْفَاظٌ أُخَرُ أَوْرَدَهَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ لَهُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فِي بَابِ اشْتِمَالِ الْخُطْبَةِ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ مِنْ أَبْوَابِ الْجُمُعَةِ.
وَالْحَمْدُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ حُذِفَ حَذْفًا قِيَاسِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّضِيُّ وَرَجَّحَهُ، أَوْ سَمَاعِيًّا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُهُ. وَعَدَلَ بِهِ إلَى الرَّفْعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الدَّوَامِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَلَوْ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْعُدُولِ إذْ لَا مَدْخَلِيَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَحُلِّيَ بِاللَّامِ لِيُفِيدَ الِاخْتِصَاصَ الثُّبُوتِيَّ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْقَصْرِ فَيَكُونُ الْحَمْدُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ تَعَالَى، إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ حَمْدٍ لِغَيْرِهِ آيِلٌ إلَيْهِ، أَوْ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ مُبَالَغَةً وَادِّعَاءً، أَوْ لِكَوْنِ الْحَمْدِ لَهُ جَلَّ جَلَالُهُ هُوَ الْفَرْدُ الْكَامِلُ.
وَالْحَمْدُ هُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ لِلتَّعْظِيمِ، وَإِطْلَاقُ الْجَمِيلِ الْأَوَّلِ لِإِدْخَالِ وَصْفِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ، فَإِنَّهُ حَمْدٌ لَهُ وَتَقْيِيدُ الثَّانِي بِالِاخْتِيَارِيِّ لِإِخْرَاجِ الْمَدْحِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا أَعَمَّ مِنْ الْحَمْدِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: هُمَا أَخَوَانِ، وَذَكَرَ قَيْدَ التَّعْظِيمِ لِإِخْرَاجِ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْمُشْعِرَاتِ بِالتَّعْظِيمِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ فِعْلِ الْجِنَانِ وَفِعْلِ الْأَرْكَانِ فِي الْحَمْدِ؛ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِمَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا فِيهِ شَرْطَانِ لَا جُزْآنِ وَلَا جُزْئِيَّانِ، وَمِنْ هَهُنَا يَلُوحُ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الْحَمْدَ أَعَمُّ مِنْ الشُّكْرِ مُتَعَلَّقًا، وَأَخَصُّ مَوْرِدًا لَا كَمَا زَعَمَهُ الْبَعْضُ مِنْ أَنَّ الْحَمْدَ أَعَمُّ مُطْلَقًا لِمُسَاوَاتِهِ الشُّكْرَ فِي الْمَوْرِدِ وَزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ أَعَمَّ مُتَعَلَّقًا. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ هَهُنَا أَنَّ الْحَمْدَ يَقْتَضِي مُتَعَلَّقَيْنِ هُمَا: الْمَحْمُودُ بِهِ، وَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ: مَا حَصَلَ بِهِ الْحَمْدُ، وَالثَّانِي: الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَحَمْدِكَ لِزَيْدٍ بِالْكَرَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْعَامِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّغَايُرُ اعْتِبَارًا مَعَ الِاتِّحَادِ ذَاتًا كَالْحَمْدِ مِنْك لِمُنْعِمٍ بِإِنْعَامِهِ عَلَيْك فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْإِنْعَامِ، فَإِنَّ الْإِنْعَامَ مِنْ حَيْثُ الصُّدُورُ مِنْ الْمُنْعِمِ مَحْمُودٌ بِهِ وَمِنْ حَيْثُ الْوُصُولُ إلَيْك مَحْمُودٌ عَلَيْهِ.
وَتَقْدِيمُ الْحَمْدِ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمُبْتَدَإِ التَّقْدِيمَ، وَهِيَ تَرْجِيحُ مُطَابَقَةِ مُقْتَضَى الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ مَقَامُ الْحَمْدِ الِاسْمُ الشَّرِيفُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلتَّقْدِيمِ مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ فَرِعَايَةُ مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ أَلْصَقُ بِالْبَلَاغَةِ مِنْ رِعَايَةِ مَا تَقْتَضِيهِ الذَّاتُ. لَا يُقَالُ: الْحَمْدُ الَّذِي هُوَ إثْبَاتُ الصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ لِلذَّاتِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَفْظُ الْحَمْدِ هُوَ الدَّالُّ عَلَى مَفْهُومٍ فَقُدِّمَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْإِثْبَاتُ

اسم الکتاب : نيل الأوطار المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 17
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست