responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 66
ظَاهِرَةٌ إِلَى إِبْطَالِ الْكِهَانَةِ، وَالتَّنْجِيمِ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ تَسَوُّرٌ عَلَى عِلْمِ شَيْءٍ كُلِّيٍّ أَوْ جُزْئِيٍّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ، وَإِرْشَادٌ لِلْأُمَّةِ، وَتَحْذِيرٌ لَهُمْ عَنْ إِتْيَانِ مَنْ يَدَّعِي عِلْمَ الْغَيْبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] .
فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ أَخْبَرَ الْأَنْبِيَاءُ، وَالْأَوْلِيَاءُ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ الْحَصْرُ؟ قُلْتُ: الْحَصْرُ بِاعْتِبَارِ كُلِّيَّاتِهَا دُونَ جُزْئِيَّاتِهَا، قَالَ تَعَالَى: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا - إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27] بِنَاءً عَلَى اتِّصَالِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى هَذِهِ الْخَمْسِ، وَأَخْرَجَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ مَرْفُوعًا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَنِ ادَّعَى عِلْمَ شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إِلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ. قَالَ: وَأَمَّا ظَنُّ الْغَيْبِ فَقَدْ يَجُوزُ مِنَ الْمُنَجِّمِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ عَنْ أَمْرٍ عَادِيٍّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلْمٍ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ وَإِعْطَائِهَا فِي ذَلِكَ اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ ذَكَرَ الْعِلْمَ بِوَقْتِ الْكُسُوفِ قَبْلَ ظُهُورِهِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا الْغَيْبُ خَمْسٌ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ غَيْبٌ يَعْلَمُهُ قَوْمٌ، وَيَجْهَلُهُ قَوْمٌ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ بِأَخْبَارِ بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ مِنْ مَضْمُونِ كُلِّيَّاتِ الْآيَةِ، فَلَعَلَّهُ بِطَرِيقِ الْمُكَاشَفَةِ أَوِ الْإِلْهَامِ أَوِ الْمَنَامِ الَّتِي هِيَ ظَنِّيَّاتٌ لَا تُسَمَّى عُلُومًا يَقِينَيَّاتٍ، وَقِيلَ الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ أَيْ: ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي خَمْسٍ، أَوْ تَجِدُ ذَلِكَ فِي خَمْسٍ، وَقِيلَ فِي بِمَعْنَى مَعَ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى: مِنْ، أَيْ: مِنْ جُمْلَةِ خَمْسٍ، وَقِيلَ: هُوَ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ أَيِ: السَّاعَةُ ثَابِتَةٌ، أَوْ مَعْدُودَةٌ فِي خَمْسٍ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ: هِيَ فِي خَمْسٍ مِنَ الِغَيْبِ أَيْ: عَدَمُ وَقْتِ السَّاعَةِ مُنْدَرِجٌ فِي جُمْلَةِ خَمْسِ كَلِمَاتٍ [ (لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ) ] : كَمَا أَفَادَهُ تَقُومُ عِنْدَهُ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ، إِذِ الظَّرْفُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ، لِأَنَّ تَقْدِيمَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَعَطْفُ يُنَزِّلُ وَمَا بَعْدَهُ بِتَقْدِيرِ أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ عَلَى السَّاعَةِ، وَجُمْلَةُ وَمَا تَدْرِي الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا إِثْبَاتُ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَنِ الِغَيْرِ فِيهِمَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِنْ لَمْ يُفَسَّرِ الْخَمْسُ بِمَفَاتِيحِ الْغَيْبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] وَأَمَّا إِذَا فُسِّرَتْ بِهَا فَالْحَصْرُ جَلِيٌّ لَا يُحْتَاجُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ تَضَمَّنَ زِيَادَةً عَلَى السُّؤَالِ اهْتِمَامًا بِذَلِكَ إِرْشَادًا لِلْأُمَّةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْكَثِيرَةِ الْفَوَائِدِ الْعَظِيمَةِ الْعَوَائِدِ، (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] أَيْ: آيَةُ تِلْكَ الْخَمْسِ بِكَمَالِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ بَيَانًا لَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ قَرَأَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَتَكُونَ الْآيَةُ اسْتِشْهَادًا وَمِصْدَاقًا لِلْحَدِيثِ (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ أَيْ: وَهُوَ يُنَزِّلُ الْمَطَرَ الَّذِي يُغِيثُ النَّاسَ فِي أَمْكِنَتِهِ وَأَزْمِنَتِهِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ (الْآيَةَ) : مِنْ قَوْلِ أَحَدِ الرُّوَاةِ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي، أَوْ يَعْنِي، أَوِ اقْرَأْ، أَوْ قَرَأَ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَبِالرَّفْعِ أَيْ: الْآيَةُ مَعْلُومَةٌ مَشْهُورَةٌ إِذَا قَرَأَهَا، وَقِيلَ بِالْجَرِّ وَالتَّقْدِيرُ قَرَأَ، أَوِ اقْرَأْ إِلَى الْآيَةِ أَيْ: آخِرِهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِلَى (خَبِيرٌ) وَأُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ إِلَى (الْأَرْحَامِ) وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ ثِقَةٍ وَإِفَادَةٍ، وَالرِّوَايَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ الْآيَةِ لَيْسَتْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ، وَتَمَامُهَا (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) أَيْ: وَهُوَ يَعْلَمُ تَفْصِيلَ مَا فِي أَرْحَامِ الْإِنَاثِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَوَاحِدٍ وَمُتَعَدِّدٍ، وَكَامِلٍ وَنَاقِصٍ، وَمُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، وَطَوِيلٍ وَقَصِيرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} [الرعد: 8] أَيْ: تَنْقُصُ: وَمَا تَزْدَادُ أَيْ: مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَالْجُثَّةِ وَالْعَدَدِ {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] أَيْ: بِقَدَرٍ وَاحِدٍ لَا يَتَجَاوَزُهُ، وَعَدَلَ عَنِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ:

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 66
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست