responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 43
الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي لِأَنَّا نَقُولُ: مَحَلُّهُ إِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى النَّفْيِ، وَالْآخَرُ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَالْخَصْمُ هُنَا سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ مُثْبِتًا، أَوْ نَافِيًا، لَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ، وَدَلِيلُنَا عَلَى النَّفْيِ ثَابِتٌ بِنَقْلِ الْمُحَدِّثِينَ الْمُؤَيَّدِ بِالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ زَلَلٍ، وَمَحَلُّ خَطَلٍ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الْقِيَمِ ذَكَرَ فِي زَادِ الْمَعَادَ فِي هَدْيِ خَيْرِ الْعِبَادِ، وَهَذَا لَفْظُهُ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ) » ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَبْلَهَا، وَلَا تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ، وَلَا قَالَ: (أُصَلِّي لِلَّهِ صَلَاةَ كَذَا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إِمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا) ، وَلَا قَالَ: أَدَاءً، وَلَا قَضَاءً، وَلَا فَرْضَ الْوَقْتِ، وَهَذِهِ عَشْرُ بِدَعٍ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحَدٌ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَا ضَعِيفٍ، وَلَا مُسْنَدٍ، وَلَا مُرْسَلٍ لَفْظَةً وَاحِدَةً مِنْهَا الْبَتَّةَ، بَلْ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَإِنَّمَا غَرَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالصِّيَامِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا بِذِكْرٍ فَظَنَّ أَنَّ الذِّكْرَ تَلَفُّظُ الْمُصَلِّي بِالنِّيَّةِ، وَأَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِالذِّكْرِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ لَيْسَ إِلَّا، وَكَيْفَ يَسْتَحِبُّ الشَّافِعِيُّ أَمْرًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَهَذَا هَدْيُهُمْ، وَسِيرَتُهُمْ ; فَإِنْ أَوْجَدَنَا أَحَدٌ حَرْفًا وَاحِدًا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ قَبِلْنَاهُ، وَقَابَلْنَاهُ بِالْقَبُولِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَلَا هَدْيَ أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِمْ، وَلَا سُنَّةَ إِلَّا مَا تَلَقَّوْهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَصَرَّحَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ بِنَفْيِ رِوَايَةِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَيْرُوزُأَبَادِي صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ، وَلَا أَعْلَمَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ التَّلَفُّظَ بِهَا، وَلَا أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ بَلِ الْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ: ( «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» ) . نَعَمِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّلَفُّظِ بِهَا، فَقَالَ قَائِلُونَ: هُوَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ عَوْنٌ عَلَى اسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ الْقَلْبِيَّةِ، وَعِبَادَةٌ لِلِّسَانِ كَمَا أَنَّهَا عُبُودِيَّةٌ لِلْقَلْبِ، وَالْأَفْعَالُ الْمَنْوِيَّةُ عِبَادَةُ الْجَوَارِحِ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ أَجَابَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ، وَالْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَطْنَبَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ فِي رَدِّ الِاسْتِحْبَابِ، وَأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِمَا فِي ذِكْرِهِ طُولٌ يُخْرِجُنَا عَنِ الْمَقْصُودِ، لَاسِيَّمَا وَالَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا اسْتِحْبَابُ النُّطْقِ بِهَا، وَقَاسَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ: (لَبَّيْكَ عُمْرَةً، وَحَجَّةً) » ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِاللَّفْظِ، وَالْحُكْمِ كَمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ لَكِنَّهُ تَعَقَّبَ هَذَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ تَعْلِيمًا لِلصَّحَابَةِ مَا يُهِلُّونَ بِهِ، وَيَقْصِدُونَهُ مِنَ النُّسُكِ، وَلَقَدْ صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثَلَاثِينَ أَلْفَ صَلَاةً فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَوَيْتُ أُصَلِّي صَلَاةَ كَذَا، وَكَذَا، وَتَرْكُهُ سُنَّةٌ كَمَا أَنَّ فِعْلَهُ سُنَّةٌ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُسَوِّيَ بَيْنَ مَا فَعَلَهُ، وَتَرَكَهُ فَنَأْتِي مِنَ الْقَوْلِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَرَكَهُ بِنَظِيرِ مَا أُتِيَ لَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُقَاسَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، ثُمَّ اللَّامُ فِي النِّيَّاتِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِنِيَّاتِهَا، أَوِ الْحَدِيثُ مِنْ بَابِ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ عَلَى حَدِّ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَبِالنِّيَّةِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَالْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ كَمَا فِي الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِهِ بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ، وَلَمْ يُكْمِلْهُ نَقْلًا عَنِ الْحَافِظِ أَبِي مُوسَى الْأَصْفَهَانِيِّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ، وَأَقَرَّهُ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ، إِذْ قَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي أَرْبَعِينِهِ، ثُمَّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ. قُلْتُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ إِمَامِ الْمَذْهَبِ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى: ( «إِنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ) اهـ.
وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي فَضْلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ النِّيَّةَ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ، وَالْعَمَلَ عُبُودِيَّةُ الْقَالِبِ، أَوْ أَنَّ الدِّينَ إِمَّا ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْعَمَلُ، أَوْ بَاطِنٌ، وَهُوَ النِّيَّةُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ» ) لِتَعَلُّقِهَا بِالْمَوْتِ الْمُقَابِلِ لِلْحَيَاةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُبُعُ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ:
عُمْدَةُ الْخَيْرِ عِنْدَنَا كَلِمَاتٌ ... أَرْبَعٌ قَالَهُنَّ خَيْرُ الْبَرِيَّةْ
اتَّقِ الشُّبَهَاتِ، وَازْهَدْ، وَدَعْ مَا ... لَيْسَ يَعْنِيكَ، وَاعْمَلْ بِنِيَّةْ

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 43
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست