responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 4
ثُمَّ الْبَاءُ جَاءَ لِأَرْبَعَةَ عَشَرَ مَعْنًى، وَالْمُنَاسِبُ هَاهُنَا مِنْهَا الْإِلْصَاقُ، وَالِاسْتِعَانَةُ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ وَأُخِّرَ عَلَى الْمُخْتَارِ تَحْقِيقًا لِحَقِيقَةِ الِابْتِدَاءِ، وَتَعْظِيمًا لِلِاسْمِ الْخَاصِّ عَنِ الِانْتِهَاءِ، وَإِفَادَةً لِلِاهْتِمَامِ، وَإِرَادَةً لِمَقَامِ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي هُوَ الْمَرَامُ؛ وَرَدًّا لِدَأْبِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ كَانُوا يَبْتَدِئُونَ بِالْأَصْنَامِ، وَيَفْتَتِحُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ.
لَكِنْ قَالَ الْعَارِفُ الْجَامِيُّ: حَقِيقَةُ الِابْتِدَاءِ بِاسْمِهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعَارِفِينَ أَنْ لَا يُذْكَرَ بِاللِّسَانِ، وَلَا يَخْطُرَ بِالْجَنَانِ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ اسْمِهِ سُبْحَانَهُ لَا إِثْبَاتًا، وَلَا نَفْيًا، فَإِنَّ صُورَةَ نَفْيِ الْغَيْرِ مُلَاحَظَةٌ لِلْغَيْرِ فَهُوَ أَيْضًا مَلْحُوظٌ فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَيْسَ الِابْتِدَاءُ مُخْتَصًّا بِاسْمِهِ سُبْحَانَهُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ مُؤَخَّرًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي التَّقْدِيرِ أَيْضًا مُقَدَّمًا كَمَا أَنَّهُ فِي الذِّكْرِ مُقَدَّمٌ اهـ.
وَالْمَعْنَى بِاسْمِ اللَّهِ أَبْدَأُ تَصْنِيفِي، أَوِ ابْتِدَائِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي مُتَبَرِّكًا بِاسْمِهِ وَمُسْتَعِينًا بِرَسْمِهِ، وَالِاسْمُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي بُنِيَ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ، فَعِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِهَا يَزِيدُونَ هَمْزَةَ الْوَصْلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْعَجُزِ كَيَدٍ وَدَمٍ ; بِدَلِيلِ تَصَارِيفِهِ مِنْ سَمَيْتُ وَنَحْوِهِ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ السُّمُوِّ، وَهُوَ الْعُلُوُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَنْوِيهٌ بِالْمُسَمَّى، وَرَفْعٌ لِقَدْرِهِ. وَعِنْدَ الْكُوفِيَّةِ أَصْلُهُ: وَسْمٌ: وَهُوَ الْعَلَامَةُ ; لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمُسَمَّى فَحُذِفَ حَرْفُ الْعِلَّةِ تَخْفِيفًا، ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ الْوَصْلِ، وَسَقَطَتْ كِتَابَتُهَا فِي الْبَسْمَلَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْجَلَالَةِ عَلَى خِلَافِ رَسْمِ الْخَطِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْكَتْبِيِّ وَطُوَّلَتِ الْبَاءُ دَلَالَةً عَلَيْهَا قَبْلَ ذِكْرِ الِاسْمِ فَرْقًا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالتَّيَمُّنِ. وَقِيلَ الِاسْمُ صِلَةٌ، وَهُوَ إِنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ فَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَيْنُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتُ الْحَقِّ، وَالْوُجُودُ الْمُطْلَقُ إِذَا اعْتُبِرَ مَعَ صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالرَّحْمَنِ مَثَلًا هُوَ الذَّاتُ الْإِلَهِيَّةُ مَعَ صِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالْقَهَّارِ مَعَ صِفَةِ الْقَهْرِ، فَهُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ وَالْوُجُودِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ بِحَسَبِ التَّعَقُّلِ، وَالْأَسْمَاءُ الْمَلْفُوظَةُ هِيَ أَسْمَاءُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَالْإِضَافَةُ لَامِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا اللَّهُ، وَالرَّحْمَنُ، وَالرَّحِيمُ، أَوْ يُرَادُ بِهِ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ بِخُصُوصِهَا بِقَرِينَةِ التَّصْرِيحِ بِهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّ الِاسْمَ عَيْنُ الْمُسَمَّى، وَالتَّسْمِيَةِ، وَثَانِيهَا: - وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الْجَهْمِيَّةِ، وَالْكَرَّامِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ - غَيْرُهُمَا. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعِزُّ ابْنُ جَمَاعَةَ: هُوَ الْحَقُّ، وَثَالِثُهَا: عَيْنُ الْمُسَمَّى وَغَيْرُ التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ الْمُصَحَّحُ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: وَلَيْسَ الِاسْمُ غَيْرَ الْمُسَمَّى، وَرَابِعُهَا: لَا عَيْنَ، وَلَا غَيْرَ. وَالثَّالِثُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ، لَكِنْ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْنِي: كَلِمَةَ الْجَلَالَةِ خَاصَّةً ; لِأَنَّ مَدْلُولَ هَذَا الِاسْمِ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، كَالْعَالِمِ فَمَدْلُولُهُ الذَّاتُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ. وَقَدْ نَبَّهَ الْإِمَامَانِ، الرَّازِيُّ، وَالْآمِدِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يَصْلُحُ مَحَلًّا لِنِزَاعِ الْعُلَمَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفَى التَّعَرُّفِ أَجْمَعُوا: أَنَّ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ هِيَ هُوَ، وَلَا غَيْرُهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تَتَغَايَرُ، وَلَيْسَ عِلْمُهُ قُدْرَتَهُ، وَلَا غَيْرَ قُدْرَتِهِ، وَلَا قُدْرَتُهُ عِلْمَهُ، وَلَا غَيْرَ عِلْمِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ صِفَاتِهِ مِنَ السَّمْعِ، وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَسْمَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَسْمَاءُ اللَّهِ - تَعَالَى - لَيْسَتْ هِيَ اللَّهَ، وَلَا غَيْرَ اللَّهِ كَمَا قَالُوا فِي الصِّفَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَسْمَاءُ اللَّهِ هِيَ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 4
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست