responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 376
لَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ لَا يَسْتَنْزِهُ لِأَنَّهَا مِنَ التَّنَزُّهِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ اهـ. وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ وَمَآلُهُ إِلَى عَدَمِ التَّحَفُّظِ عَنِ الْبَوْلِ الْمُؤَدِّي إِلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ غَالِبًا وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ. قَالَ مِيرَكُ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «عَامَّةُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ، اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ» ) رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «تَنَزَّهُوا عَنِ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ» ) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «اتَّقُوا الْبَوْلَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ فِي الْقَبْرِ» ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ (وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) : أَيْ: إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّخْصَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ أَوْ يُلْقِي بَيْنَهُمَا عَدَاوَةً بِأَنْ يَنْقُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَقُولُ الْآخَرُ مِنَ الشَّتْمِ وَالْأَذَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّمِيمَةُ نَقْلُ كَلَامِ الْغَيْرِ لِقَصْدِ الْإِضْرَارِ وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ (ثُمَّ أَخَذَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (جَرِيدَةً رَطْبَةً) : أَيْ غُصْنًا مِنَ النَّخْلِ، وَفِي الْفَائِقِ هِيَ السَّعَفَةُ الَّتِي جُرِّدَتْ عَنْهَا الْخُوصُ أَيْ -: قِشْرَتُهُ (فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ) : أَيْ: جَعَلَهَا مَشْقُوقَةً حَالَ كَوْنِهَا مُلْتَبِسَةً بِنِصْفَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ (ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً) : أَيْ: فِي كُلٍّ مِنَ الشِّقَّتَيْنِ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ !) : أَيِ: الْغَرْزَ (فَقَالَ: لَعَلَّهُ) أَيِ الْعَذَابَ (أَنْ يُخَفَّفَ) : بِالضَّمِّ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيِ: الْعَذَابُ قَبْلَ أَنْ يُزَالَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ فَالضَّمِيرَانِ لِلَّهِ أَوْ لِلْغَرْزِ مَجَازًا وَإِدْخَالُ إِنَّ فِي خَبَرِ لَعَلَّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَشْبِيهِهَا بِعَسَى (عَنْهُمَا) : بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَنْهَا. قَالَ الْمَالِكِيُّ. الرِّوَايَةُ يُخَفَّفُ عَنْهَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّأْنِيثِ وَهُوَ ضَمِيرُ النَّفْسِ فَيَجُوزُ إِعَادَةُ الضَّمِيرَيْنِ فِي " لَعَلَّهُ " وَعَنْهَا إِلَى الْمَيِّتِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ إِنْسَانًا وَنَفْسًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَفِي عَنْهَا لِلنَّفْسِ، وَجَازَ تَفْسِيرُ الشَّأْنِ بِأَنْ وَصِلَتِهَا، وَالرِّوَايَةُ بِتَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ فِي عَنْهُمَا لَا تَسْتَدْعِي هَذَا التَّأْوِيلَ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ جَعَلَ رِوَايَةَ ابْنِ مَالِكٍ أَصْلًا لِلصَّحِيحِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، ثُمَّ أَغْرَبَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ التَّثْنِيَةِ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الضَّمِيرِ لِلشَّأْنِ، وَيَصِحُّ كَوْنُ الضَّمِيرِ مُبْهَمًا يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ كَمَا فِي: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: 24] أَصْلُهُ مَا الْحَيَاةُ ثُمَّ أُبْدِلَتْ بِالضَّمِيرِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْخَبَرِ عَلَيْهَا اهـ. لِأَنَّ التَّعَيُّنَ مَمْنُوعٌ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ يُحْتَاجُ فِي صِحَّتِهِ إِلَى تَكَلُّفٍ أَحْوَجَ إِلَيْهِ الرِّوَايَةُ بِالْإِفْرَادِ، وَكَذَا الْإِبْهَامُ وَالتَّفْسِيرُ مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ إِلَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ لِلضَّمِيرِ مَرْجِعٌ فَلَيْسَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ نَظِيرًا لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ (مَا لَمْ يَيْبَسَا) بِالتَّذْكِيرِ أَيْ: مَا دَامَ لَمْ يَيْبَسِ النِّصْفَانِ أَوِ الْقَضِيبَانِ وَبِالتَّأْنِيثِ أَيِ الشِّقَّتَانِ أَوِ الْجَرِيدَتَانِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: أَمَّا وَضْعُهُمَا عَلَى الْقَبْرِ فَقِيلَ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَ الشَّفَاعَةَ لَهُمَا فَأُجِيبَ: بِالتَّخْفِيفِ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ صَاحِبَيِ الْقَبْرَيْنِ أُجِيبَتْ شَفَاعَتِي فِيهِمَا أَيْ: بِرَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْقَضِيبَانِ رَطْبَيْنِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَدْعُو لَهُمَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُمَا يُسَبِّحَانِ مَا دَامَا رَطْبَيْنِ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] مَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ ثُمَّ قَالَ: وَحَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَحَيَاةُ الْخَشَبِ مَا لَمْ يَيْبَسْ، وَالْحَجَرُ مَا لَمْ يُقَطَّعْ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَنَّ التَّسْبِيحَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدَّلَالَةُ عَلَى الصَّانِعِ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقَبْرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ إِذْ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ أَوْلَى بِالتَّخْفِيفِ مِنْ تَسْبِيحِ الْجَرِيدِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحُصَيْبِ الصَّحَابِيَّ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ، فَكَأَنَّهُ تَبَرَّكَ بِفِعْلِ مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَلَى الْقُبُورِ مِنَ الْأَخْوَاصِ وَنَحْوِهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ، وَفِيهِ نَجَاسَةُ الْأَبْوَالِ، وَفِيهِ تَحْرِيمُ النَّمِيمَةِ، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ كَانَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، وَفِيهِ أَنَّ عَدَمَ التَّنَزُّهِ مِنَ الْبَوْلِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَتَرْكُهَا كَبِيرَةٌ بِلَا شَكٍّ اهـ.
قِيلَ: وَفِيهِ تَخْفِيفُ عَذَابِ الْقَبْرِ بِزِيَارَةِ الصَّالِحِينَ وَوُصُولِ بَرَكَتِهِمْ، وَأَمَّا إِنْكَارُ الْخَطَّابِيِّ وَقَوْلُهُ: " لَا أَصْلَ لَهُ " فَفِيهِ بَحْثٌ وَاضِحٌ، إِذْ هَذَا الْحَدِيثُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لَهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ قَوْلُهُ: " لَا أَصْلَ لَهُ " مَمْنُوعٌ، بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ أَصِيلٌ لَهُ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا بِأَنَّ مَا اعْتِيدَ مِنْ وَضْعِ الرَّيْحَانِ وَالْجَرِيدِ سُنَّةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَاقِعَةُ حَالٍ خَاصٍّ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ، وَلِهَذَا وَجَّهَ لَهُ التَّوْجِيهَاتِ السَّابِقَةَ فَتَدَبَّرْ فَإِنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 376
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست