responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 233
أَنَا آخِذٌ إِلَخْ. وَقَوْلُهُ (أَنَا آخِذٌ) : بِالْوَجْهَيْنِ (بِحُجَزِكُمْ) ، أَيْ: لِلتَّبْعِيدِ (عَنِ النَّارِ) : وَأَقُولُ (هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ) : كَرَّرَ لِفَرْطِ الِاهْتِمَامِ، وَالْمَعْنَى أَسْرِعُوا إِلَيِّ وَأَبْعِدُوا أَنْفُسَكُمْ عَنِ النَّارِ، قَالَ الْخَلِيلُ: أَصْلُهُ لُمَّ أَيْ لُمَّ أَنْفُسَكُمْ إِلَيْنَا بِالْقُرْبِ مِنَّا وَهَا لِلتَّنْبِيهِ، وَإِنَّمَا حُذِفَ أَلِفُهَا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَجُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ أَصْلُهُ هَلْ أَمْ أَيْ هَلْ لَكَ فِي كَذَا أَمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ قُصِدَ فَرُكِّبَ الْكَلِمَتَانِ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ ضَمِّ اللَّامِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اقْرُبْ إِلَيْنَا وَابْعُدْ عَنِ النَّارِ، فَالْخِطَابُ عَامٌّ وَمَحَلُّ هَلُمَّ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَمْنَعُكُمْ قَائِلًا: هَلُمَّ (فَتَغْلِبُونِي) : النُّونُ مُشَدَّدَةٌ إِذْ أَصْلُهُ تَغْلِبُونِي فَأَدْغَمَ نُونَ الْجَمْعِ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ بِإِدْغَامِ نُونِ الرَّفْعِ فِي نُونِ التَّأْكِيدِ اهـ. وَرُوِيَ بِتَخْفِيفِهَا عَلَى حَذْفِ إِحْدَى النُّونَيْنِ، وَاخْتَارَ الشَّاطِبِيُّ حَذْفَ الْأَخِيرَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ عَلَى التَّعْكِيسِ كَاللَّامِ فِي لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا (تَقَحَّمُونَ) ، أَيْ: تَتَقَحَّمُونَ (فِيهَا) . وَهُوَ حَالٌ عَنْ فَاعِلِ تَغْلِبُونِي؟ وَقِيلَ: بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَثَلَ بِوُقُوعِ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ لِجَهْلِهِ بِمَا يَعْقُبُ التَّقَحُّمَ فِيهَا مِنَ الِاحْتِرَاقِ وَلِتَحْقِيرِ شَأْنِهَا.
قَالَ: وَهَذِهِ الدَّوَابُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة: 26] وَتَخْصِيصُ ذِكْرِ الدَّوَابِّ وَالْفَرَاشِ لَا يُسَمَّى دَابَّةً عُرْفًا لِبَيَانِ جَهْلِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ} [الأنفال: 22] الْآيَةَ. كُلُّ ذَلِكَ تَعْرِيضٌ لِطَالِبِ الدُّنْيَا الْمُتَهَالِكِ فِيهَا جَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمُهْلِكَاتِ نَفْسَ النَّارِ وَضْعًا لِلسَّبَبِ مَوْضِعَ الْمُسَبَّبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] وَشَبَّهَ إِظْهَارَهُ بِمَحَارِمِ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ بِبَيَانَاتِهِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِاسْتِيقَادِ الرَّجُلِ النَّارَ، وَشَبَّهَ فُشُوَّ ذَلِكَ الْكَشْفِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِإِضَاءَةِ تِلْكَ النَّارِ مَا حَوْلَ الْمُسْتَوْقَدِ، وَشَبَّهَ النَّاسَ وَعَدَمَ مُبَالَاتِهِمْ بِذَلِكَ الْبَيَانِ وَالْكَشْفِ وَتَعَدِّيهِمْ حُدُودَ اللَّهِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى اللَّذَّاتِ، وَمَنْعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهُمْ بِأَخْذِ حُجَزِهِمْ بِالْفَرَاشِ الَّتِي يَتَقَحَّمْنَ فِي النَّارِ وَيَغْلِبْنَ الْمُسْتَوْقِدَ، وَكَمَا أَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَوْقِدِ هُوَ انْتِفَاعُ الْخَلْقِ بِهِ مِنَ الِاهْتِدَاءِ وَالِاسْتِدْفَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْفَرَاشُ لِجَهْلِهَا جَعَلَتْهُ سَبَبًا لِهَلَاكِهَا، كَذَلِكَ كَانَ الْقَصْدُ بِتِلْكَ الْبَيَانَاتِ اهْتِدَاءَ تِلْكَ الْأُمَّةِ وَاحْتِمَاءَهَا عَمَّا هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ جَعَلُوهَا مُوجِبَةً لِتَرَدِّيهِمْ، وَفِي قَوْلِهِ: (آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ) اسْتِعَارَةٌ مَثَّلَتْ حَالَهُ فِي مَنْعِ الْأُمَّةِ عَنِ الْهَلَاكِ بِحَالِ رَجُلٍ آخِذٍ بِحُجْزَةِ صَاحِبِهِ الَّذِي يَهْوِي فِي قَعْرِ بِئْرٍ مُرْدِيَةٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
فِيهِ: أَنَّ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا سَبَقَ فَإِيرَادُهُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّفَاقِ هُنَا بِحَسَبِ الْمَعْنَى فِي الْأَكْثَرِ.

150 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةً قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
150 - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ) : الْهُدَى: الدَّلَالَةُ عَلَى الْخَيْرِ مُطْلَقًا أَوِ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الْحَقِّ، وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ: هُنَا الظَّاهِرُ

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 233
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست