responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 229
وَيَقُومُوا اللَّيْلَ، وَلَا يَنَامُوا عَلَى الْفِرَاشِ، وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْمَ، وَالْوَدَكَ أَيِ الدَّسَمَ مِنَ السَّمْنِ، وَالدُّهْنِ، وَلَا يَقْرَبُوا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، وَيَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى دَارَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَلَمْ يُصَادِفْهُ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَاسْمُهَا الْحَوْلَاءُ، وَكَانَتْ عَطَّارَةً: أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْ زَوْجِكِ وَأَصْحَابِهِ؟ " فَكَرِهَتْ أَنْ تَكْذِبَ وَكَرِهَتْ أَنْ تُبْدِي عَلَى زَوْجِهَا أَيْ تُظْهِرَ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَخْبَرَكَ عُثْمَانُ فَقَدْ صَدَقَكَ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكُمُ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا وَكَذَا؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ "، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَقُومُوا وَنَامُوا فَإِنِّي أَقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَآكُلُ اللَّحْمَ وَالدَّسَمَ وَآتِي النِّسَاءَ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ".
ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ وَالطِّيبَ وَالنَّوْمَ وَشَهَوَاتِ الدُّنْيَا إِنِّي لَسْتُ آمُرُكُمْ أَنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِي تَرْكُ اللَّحْمِ وَالنِّسَاءِ وَلَا اتِّخَاذُ الصَّوَامِعَ، وَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الصَّوْمُ، وَرَهْبَانِيَّتُهُمُ الْجِهَادُ، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ وَاسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ لَكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَارَاتِ وَالصَّوَامِعِ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

146 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ؟ ! فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
146 - (وَعَنْ عَائِشَةَ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (قَالَتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا) ، أَيْ: مِنَ الْمُبَاحَاتِ. قَالَ الرَّاغِبُ: الصُّنْعُ إِجَادَةُ الْفِعْلِ فَكُلُّ صُنْعٍ فِعْلٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَلَا يُنْسَبُ إِلَى الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ كَمَا يُنْسَبُ إِلَيْهَا الْفِعْلُ (فَرَخَّصَ) ، أَيْ: لِلنَّاسِ فِيهِ، أَيْ: فِي ذَلِكَ الصُّنْعِ أَوْ مِنْ أَجْلِهِ (فَتَنَزَّهَ عَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ ذَلِكَ الصُّنْعِ (قَوْمٌ) وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الصُّنْعَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ فِعْلَهُ يُنَافِي فِي الْكَمَالِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. قَالَ الشَّيْخُ: لَمْ أَعْرِفْ أَعْيَانَ الْقَوْمِ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ: وَلَا الشَّيْءَ الَّذِي تُرُخِّصُ فِيهِ، وَأَوْمَأَ ابْنُ بَطَّالٍ إِلَى أَنَّهُ الْقِبْلَةُ لِلصَّائِمِ، وَقِيلَ: الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْمَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالشَّيْءُ الْمُرَخَّصُ مَا ذُكِرَ فِيمَا سَبَقَ (فَبَلَغَ ذَلِكَ) ، أَيْ: تَنَزُّهُهُمْ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَطَبَ) ، أَيْ: أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (فَحَمِدَ اللَّهَ) : إِلَخْ تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلَهُ (ثُمَّ قَالَ) ، أَيْ: فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا مُعَرِّضًا لَا مُصَرِّحًا سَتْرًا عَلَى الْفَاعِلِ وَرَحْمَةً بِهِ (مَا بَالُ أَقْوَامٍ) : اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ. بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ، أَيْ: مَا حَالُهُمْ (يَتَنَزَّهُونَ) : صِفَةُ أَقْوَامٍ وَقَعَ مَوْقِعَ الْحَالِ نَحْوَ: مَا لَكَ قَائِمًا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] ، أَيْ: يَتَبَاعَدُونَ وَيَحْتَرِزُونَ (عَنِ الشَّيْءِ) : مِنَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ وَالْأَكْلِ بِالنَّهَارِ وَالتَّزَوُّجِ بِالنِّسَاءِ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ (أَصْنَعُهُ؟ !) : حَالٌ مِنَ الشَّيْءِ، وَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ شَيْئًا وَقِيلَ: اللَّامُ فِي الشَّيْءِ لِلْجِنْسِ وَأَصْنَعُهُ صِفَتُهُ (فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ) : قَالَ الْمُظْهِرُ، أَيْ: فَإِنِ احْتَرَزُوا عَنْهُ لِخَوْفِ عَذَابِ اللَّهِ فَأَنَا أَعْلَمُ بِقَدْرِ عَذَابِ اللَّهِ فَأَنَا أَوْلَى بِالِاحْتِرَازِ (وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً) : إِشَارَةٌ إِلَى الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ، وَقَدَّمَ الْعِلْمَ عَلَى الْخَشْيَةِ لِأَنَّهَا نَتِيجَتُهُ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَخْشَاهُمْ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّهُ (عَدَلَ عَنْهُ وَجُعِلَ أَشَدَّ، ثُمَّ فُسِّرَ بِخَشْيَةٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْأَشَدَّ نَفْسَهُ خَشْيَةٌ) (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
) .

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 229
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست