responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 222
قَالَ: " بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ " وَفِي نَظْمِ الْبَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قَبْلَهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَحْثَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ هُوَ الَّذِي وَرَّطَ الْقَدَرِيَّةَ وَالْجَبْرِيَّةَ فِي بَيْدَاءِ الظُّلْمَةِ وَالْحَيْرَةِ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحِكَمِ الْمَجْهُولَةِ عِنْدَنَا. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] وَالتَّعَبُّدُ الْمَحْضُ هُوَ مِنْ كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ الْمُقْتَضِي لِلْقِيَامِ بِحُقُوقِ الرُّبُوبِيَّةِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
140 - (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) : بِالْهَمْزِ وَأَمَّا بِالْيَاءِ فَلَحْنٌ عَامِّيٌّ (قَالَتْ) ، أَيْ: رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ أَحْدَثَ) ، أَيْ: جَدَّدَ وَابْتَدَعَ أَوْ أَظْهَرَ وَاخْتَرَعَ فِي أَمْرِنَا هَذَا) ، أَيْ: فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَفِي إِيرَادِ اسْمِ الْإِشَارَةِ بَدَلًا أَوْ صِلَةً إِفَادَةُ التَّعْظِيمِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى تَمْيِيزِ الدِّينِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَمْرِ تَنْبِيهًا عَلَى) أَنَّ هَذَا الدِّينَ هُوَ أَمْرُنَا الَّذِي نَهْتَمُّ لَهُ وَنَشْتَغِلُ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا. قَالَ الْقَاضِي: الْأَمْرُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الطَّالِبِ لِلْفِعْلِ، مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ وَالشَّأْنِ، وَالطَّرِيقُ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الدِّينِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ طَرِيقُهُ وَشَأْنُهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ (مَا لَيْسَ مِنْهُ) : كَذَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَالْحُمَيْدِيِّ وَ " جَامِعِ الْأُصُولِ " وَ " شَرْحِ السُّنَّةِ " وَفِي " الْمَشَارِقِ " وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ مَا لَيْسَ فِيهِ (فَهُوَ) ، أَيِ: الَّذِي أَحْدَثَهُ (رَدٌّ) ، أَيْ: مَرْدُودٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَصِحُّ الْكَسْرُ اهـ.
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّهُ عَلَى مَا فِي " الْقَامُوسِ ". بِمَعْنَى الْعِمَادِ. قَالَ الْقَاضِي: الْمَعْنَى مَنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ رَأْيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ سَنَدٌ ظَاهِرٌ أَوْ خَفِيٌّ مَلْفُوظٌ أَوْ مُسْتَنْبَطٌ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، قِيلَ: فِي وَصْفِ الْأَمْرِ بِهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَمْرَ الْإِسْلَامِ كَمُلَ وَانْتَهَى وَشَاعَ وَظَهَرَ ظُهُورَ الْمَحْسُوسِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ، فَمَنْ حَاوَلَ الزِّيَادَةَ فَقَدْ حَاوَلَ أَمْرًا غَيْرَ مَرْضِيٍّ لِأَنَّهُ مِنْ قُصُورِ فَهْمِهِ رَآهُ نَاقِصًا، فَعَلَى هَذَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ (هُوَ) رَاجَعٌ إِلَى (مَنْ) أَيْ فَذَلِكَ الشَّخْصُ نَاقِصٌ مَرْدُودٌ عَنْ جِنَابِنَا مَطْرُودٌ عَنْ بَابِنَا، فَإِنَّ الدِّينَ اتِّبَاعُ آثَارِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَاسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ مِنْهَا، فَالضَّمِيرُ إِلَى الشَّخْصِ أَبْلَغُ وَإِلَى الْأَمْرِ أَظْهَرُ، وَفِي قَوْلِهِ: مَا لَيْسَ مِنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِحْدَاثَ مَا لَا يُنَازِعُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ بَعْدُ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَذُكِرَ فِي " الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ "، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا) أَيْ مَنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْدَثًا أَوْ سَابِقًا عَلَى الْأَمْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، أَيْ: وَكَانَ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِذْنُنَا بَلْ أَتَى بِهِ عَلَى حَسَبِ هَوَاهُ فَهُوَ رَدٌّ.، أَيْ: مَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَعَمُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ عِمَادٌ فِي التَّمَسُّكِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَأَصْلٌ فِي الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ الْأَعْلَى، وَرَدٌّ لِلْمُحْدَثَاتِ وَالْبِدَعِ وَالْهَوَى، وَقَدْ أُنْشِدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
إِذَا مَا دَجَا اللَّيْلُ الْبَهِيمُ وَأَظْلَمَا ... بِأَمْرٍ فَظِيعٍ شَقَّ أَسْوَدَ أَدْهَمَا
فَأَعْلَى الْبَرَايَا مَنْ إِلَى السُّنَنِ اعْتَزَى ... وَأَعْمَى الْبَرَايَا مَنْ إِلَى الْبِدَعِ انْتَمَى
وَمَنْ تَرَكَ الْقُرْآنَ قَدْ ضَلَّ سَعْيُهُ ... وَهَلْ يَتْرُكُ الْقُرْآنَ مَنْ كَانَ مُسْلِمَا

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 222
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست