responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 214
وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَيَأْتِيهِ) ، أَيِ: الْكَافِرَ (مِنْ حَرِّهَا) ، أَيْ: حَرِّ النَّارِ وَهُوَ تَأْثِيرُهَا (وَسَمُومِهَا) : وَهِيَ الرِّيحُ الْحَارَّةُ (قَالَ: وَيُضَيَّقُ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ (عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، ثُمَّ يُقَيَّضُ) ، أَيْ: يُسَلَّطُ وَيُوَكَّلُ وَيُقَدَّرُ (لَهُ) : فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ اسْتِيلَاءَ الْقَيْضِ عَلَى الْبَيْضِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَيْضِ وَهُوَ الْقِشْرَةُ الْأَعْلَى مِنَ الْبَيْضِ (أَعْمَى) ، أَيْ: زَبَانِيَةٌ لَا عَيْنَ لَهُ " كَيْلَا يَرْحَمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عَيْنٌ لِأَجْلِهِ أَوْ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ نَظَرِهِ إِلَيْهِ (أَصَمُّ) ، أَيْ: لَا يَسْمَعُ صَوْتَ بُكَائِهِ وَاسْتِغَاثَتِهِ فَيَرِقُّ لَهُ (مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ) : الْمَسْمُوعُ فِي الْحَدِيثِ تَشْدِيدُ الْبَاءِ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ يُخَفِّفُونَهَا وَهِيَ الَّتِي يُدَقُّ بِهَا الْمَدَرُ وَيُكَسَّرُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمِرْزَبَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَاعْتَرَضُوا بِأَنَّ الصَّوَابَ تَخْفِيفُهَا اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مِفْعَلَّةَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لَا يُعْرَفُ فِي أَنْوَاعِ الْمِيزَانِ الصَّرْفِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَمَّا الْمِرْزَبَّةُ فَالْمُحَدِّثُونَ يُشَدِّدُونَ الْبَاءَ، وَالصَّوَابُ تَخْفِيفُهُ وَإِنَّمَا تُشَدَّدُ الْبَاءُ إِذَا أُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ مِنَ الْمِيمِ وَهِيَ وَالْأَرْزَبَّةُ:، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
ضَرْبَكَ بالْمِرْزَبَةِ العُودَ النَخِرْ
اهـ.
أَقُولُ: أَخَطَأَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَخْطِئَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَتَصْوِيبِ اللُّغَوِيِّينَ، إِذْ نَقْلُ الْأَوَّلِينَ مِنْ طُرُقِ الْعُدُولِ عَلَى وَجْهِ الرِّوَايَةِ، وَنَقْلُ الْآخِرِينَ مِنْ سَبِيلِ الْفُضُولِ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ، وَأَمَّا اسْتِشْهَادُهُ بِإِنْشَادِ الْفَرَّاءِ فَضَعِيفٌ إِذْ يُحْتَمَلُ تَخْفِيفُهُ ضَرُورَةً أَوْ لُغَةً أُخْرَى، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ أَبَدًا فَقَالَ: الْأَرْزَبَّةُ وَالْمِرْزَبَّةُ مُشَدَّدَتَانِ أَوِ الْأُولَى فَقَطْ: عُصَيَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ التَّشْدِيدَ فِيهِمَا لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَلَوْ وَافَقَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ جَمِيعَ الْمُحَدِّثِينَ لَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ، فَكَيْفَ بِالتَّكْثِيرِ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ أَيْضًا يُرَجَّحُ جَانِبُ الْمُحَدِّثِينَ لِمَا تَقَدَّمَ. وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا طَعْنُ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَفْقِ مَسْمُوعِهِمْ وَهُوَ كُفْرٌ ظَاهِرٌ، وَاللَّهُ وَلِيُّ دِينِهِ وَحَافِظُ كِتَابِهِ وَقَادِرٌ عَلَى ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ. (لَوْ ضُرِبَ بِهَا) ، أَيِ: الْمِرْزَبَّةُ (جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا) ، أَيِ: انْدَقَّ أَجْزَاؤُهُ كَالتُّرَابِ (فَيَضْرِبُهُ بِهَا) : وَفِي نُسْخَةٍ بِهَا سَاقِطٌ (ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا) ، أَيْ: صَوْتَهَا وَحِسَّهَا (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) : الظَّاهِرُ أَنَّ (مَا) بِمَعْنَى (مَنْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ) ، أَيِ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَهَلِ الْأَمْوَاتُ مِنْهُمَا مُسْتَثْنًى أَمِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا؟ فَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرُوهَا يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ. (فَيَصِيرُ تُرَابًا، ثُمَّ يُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ) كَرَّرَ إِعَادَةَ الرُّوحِ فِي الْكَافِرِ بَيَانًا لِشِدَّةِ الْعَذَابِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الْإِعَادَةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ذُقْ هَذَا جَزَاءً بِمَا كُنْتَ تُنْكِرُهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ فِي الْقَبْرِ إِمَاتَتَيْنِ وَإِحْيَاءَتَيْنِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّثْنِيَةِ التَّكْرِيرُ وَالتَّكْثِيرُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] وَقَوْلُهُمْ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ التَّثْنِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ: وَمَعْلُومٌ اسْتِمْرَارُ الْعَذَابِ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا إِذَا أُعِيدَتْ تُضْرَبُ أُخْرَى فَيَصِيرُ تُرَابًا، ثُمَّ يُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ وَهَكَذَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تِلْكَ الْإِعَادَةَ لَا تَتَكَرَّرُ وَأَنَّ عَذَابَهُ يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ بِمَوْتِهِمْ بَلْ تُعَادُ فِيهِمُ الرُّوحُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِيَزْدَادُوا عَذَابًا، وَيُمْكِنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ إِعَادَةُ الرُّوحِ كِنَايَةً عَنْ رُجُوعِهِمْ إِلَى حَالَتِهِمُ الْأُولَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صَيْرُورَتِهِمْ تُرَابًا خُرُوجُ الرُّوحِ مِنْهُمْ لِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خَرْقِ الْعَادَةِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 214
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست