responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 197
{وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف: 173] : فَاقْتَدَيْنَا بِهِمْ فَاللَّوْمُ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْنَا (أَفَتُهْلِكُنَا) أَيْ: أَتَعْلَمُ ذَلِكَ فَتُعَذِّبَنَا {بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 173] : مِنْ آبَائِنَا بِتَأْسِيسِ الشِّرْكِ، وَالْمَعْنَى لَا يُمْكِنُهُمُ الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ مَعَ إِشْهَادِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ، وَالتَّذْكِيرُ بِهِ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الْمُعْجِزَةِ قَائِمٌ مَقَامَ ذِكْرِهِ فِي النُّفُوسِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) : وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَيْسَ النَّسَائِيُّ مَوْجُودًا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ إِلْحَاقٌ فِي الشَّرْحِ، لَكِنَّهُ مُسْتَبْعَدٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دَأْبِهِ. قَالَ مِيرَكُ شَاهْ: كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ، وَلَا يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا يَحْتَمِلُهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا أَرَى الْمُعْتَزِلَةَ يُقَابِلُونَ هَذِهِ الْحُجَّةَ إِلَّا بِقَوْلِهِمْ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا مِنَ الْآحَادِ فَلَا نَتْرُكُ بِهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا هَرَبُوا عَنِ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ بِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِمَكَانِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] فَقَالُوا: إِنْ كَانَ هَذَا الْإِقْرَارُ عَنِ اضْطِرَارٍ حَيْثُ كُوشِفُوا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ، وَشَاهَدُوهُ عَيْنَ الْيَقِينِ، فَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُولُوا شَهِدْنَا يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا زَالَ عَنَّا عَلِمْنَا عِلْمَ الضَّرُورَةِ، وَوُكِلْنَا إِلَى آرَائِنَا كَانَ مِنَّا مَنْ أَصَابَ، وَمِنَّا مَنْ أَخْطَأَ، وَإِنْ كَانَ عَنِ اسْتِدْلَالٍ، وَلَكِنَّهُمْ عُصِمُوا عِنْدَهُ مِنَ الْخَطَأِ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا أُيِّدْنَا يَوْمَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْفِيقِ، وَالْعِصْمَةِ، وَحُرِمْنَاهُمَا مِنْ بَعْدُ، وَلَوْ مُدِدْنَا بِهِمَا لَكَانَتْ شَهَادَتُنَا فِي كُلِّ حِينٍ كَشَهَادَتِنَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِيثَاقَ مَا رَكَزَ اللَّهُ فِيهِمْ مِنَ الْعُقُولِ، وَآتَاهُمْ، وَآبَاءَهُمْ مِنَ الْبَصَائِرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْحُجَّةُ الْبَاقِيَةُ الْمَانِعَةُ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا الْإِقْرَارَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي الْإِشْرَاكِ كَمَا جَعَلَ بَعْثَ الرُّسُلِ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي الْإِيمَانِ بِمَا أُخْبِرُوا بِهِ مِنَ الْغُيُوبِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَخُلَاصَةُ مَا قَالُوهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُحْتَجِّينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّهُ زَالَ عَنَّا عَلِمُ الضَّرُورَةِ، وَوُكِلْنَا إِلَى آرَائِنَا فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ بَلْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى يُوقِظُونَكُمْ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: حُرِمْنَا عَلَى التَّوْفِيقِ، وَالْعِصْمَةِ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ. فَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إِذْ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا مَنْفَعَةَ لَنَا فِي الْعُقُولِ، وَالْبَصَائِرِ حَيْثُ حُرِمْنَا عَنِ التَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ، وَالْحَقُّ أَنْ تُحْمَلَ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَلَا يُقْدَمُ عَلَى الطَّعْنِ فِيهَا بِأَنَّهَا آحَادٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِمُعْتَقَدِ أَحَدٍ، وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ حُرِمَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَخَالَفَ طَرِيقَةَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُثْبِتُونَ خَبَرَ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَجْعَلُونَهُ سُنَّةً؛ حُمِدَ مَنْ تَبِعَهَا وَعِيبَ مَنْ خَالَفَهَا اهـ.
وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: نَزَلَ تَمْكِينُ بَنِي آدَمَ مِنَ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيَّتِهِ بِنَصْبِ الدَّلَائِلِ، وَخَلْقِ الِاسْتِعْدَادِ فِيهِمْ، وَتَمْكِينِهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَالْإِقْرَارِ بِهَا مَنْزِلَةَ الْإِشْهَادِ، وَالِاعْتِرَافِ تَمْثِيلًا، وَتَخْيِيلًا لَا قَوْلَ ثَمَّةَ، وَلَا شَهَادَةَ حَقِيقَةً. أَقُولُ: لَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ، وَبِهِ يَلْتَئِمُ الْعَقْلُ، وَالسَّمْعُ. قَالَ الْمَوْلَى الْعَلَّامَةُ قُطْبُ الدِّينِ الشِّيرَازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ تَقَرَّرَ فِي بِدَايَةِ الْعُقُولِ أَنَّ بَنِي آدَمَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، فَيَكُونُ كُلُّ مَا أُخْرِجَ مِنْ ظُهُورِ بَنِي آدَمَ فِيمَا لَا يَزَالُ هُمُ الَّذِينَ قَدْ أَخْرَجَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْمِيثَاقَ الْأَزَلِيَّ لِيُعْرِفَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا النَّسْلَ الَّذِي يَخْرُجُ فِيمَا لَا يَزَالُ مِنْ أَصْلَابِ بَنِي آدَمَ هُوَ الذَّرُّ الَّذِي أُخْرِجَ فِي الْأَزَلِ مِنْ صُلْبِ آدَمَ، وَأُخِذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمَقَالِيُّ الْأَزَلِيُّ، كَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ فِيمَا لَا يَزَالُ بِالتَّدْرِيجِ حِينَ أَخْرَجُوا الْمِيثَاقَ الثَّانِيَ، وَهُوَ الْحَالِيُّ الْأَزَلِيُّ، فَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ مِيثَاقَانِ مَعَ بَنِي آدَمَ أَحَدُهُمَا: تَهْتَدِي إِلَيْهِ الْعُقُولُ مِنْ نَصْبِ الْأَدِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الِاعْتِرَافِ الْحَالِيِّ، وَثَانِيهِمَا: الْمَقَالِيُّ الَّذِي لَا تَهْتَدِي إِلَيْهِ الْعُقُولُ، بَلْ يُتَوَقَّفُ عَلَى تَوْقِيفِ وَاقِفٍ عَلَى أَحْوَالِ الْعِبَادِ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْآبَادِ كَالْأَنْبِيَاءِ، فَأَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُعْلِمَ الْأُمَّةَ بِأَنَّ وَرَاءَ الْمِيثَاقِ الَّذِي يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ مِيثَاقًا آخَرَ أَزَلِيًّا، فَقَالَ مَا قَالَ مِنْ مَسْحِ ظَهْرِ آدَمَ فِي الْأَزَلِ إِلَخْ. وَهُوَ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ، وَنِهَايَةِ التَّدْقِيقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 197
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست