responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 17
وَقِيلَ: نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلَغَهُ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِهِ فِتْنَةٌ، فَقَوْمٌ يُرِيدُونَ دُخُولَهُ، وَآخَرُونَ يَكْرَهُونَهُ. وَكَانَ لَهُ أَقْرِبَاءُ بِهَا فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى يَنْجَلِيَ الْأَمْرُ فَأَقَامَ أَيَّامًا فَمَرِضَ حَتَّى وُجِّهَ إِلَيْهِ رَسُولٌ مِنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ يَلْتَمِسُونَ خُرُوجَهُ إِلَيْهِمْ ; فَأَجَابَ، وَتَهَيَّأَ لِلرُّكُوبِ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، وَتَعَمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قَدْرَ عِشْرِينَ خُطْوَةً إِلَى الدَّابَّةِ لِيَرْكَبَهَا قَالَ: أَرْسِلُونِي فَقَدْ ضَعُفْتُ فَأَرْسَلُوهُ فَدَعَا بِدَعَوَاتٍ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَقَضَى فَسَالَ مِنْهُ عَرَقٌ كَثِيرٌ لَا يُوصَفُ، وَمَا سَكَنَ الْعَرَقُ حَتَّى أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ. وَقِيلَ: ضَجِرَ لَيْلَةً فَدَعَا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ اللَّهُمَّ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ فَمَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ ذَكَرٍ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَتْ وِلَادَتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَلَمَّا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَوُضِعَ فِي حُفْرَتِهِ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالْمِسْكِ جَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ إِلَى قَبْرِهِ مُدَّةً يَأْخُذُونَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ وَاقِفٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ هُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتَظِرُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتُهُ، فَنَظَرْتَ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا، وَبَعْدَ نَحْوِ سَنَتَيْنِ مِنْ مَوْتِهِ اسْتَسْقَى أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ مِرَارًا فَلَمْ يُسْقَوْا فَقَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ لِقَاضِيهَا: أَرَى أَنْ تَخَرُجَ بِالنَّاسِ إِلَى قَبْرِ الْبُخَارِيِّ، وَنَسْتَسْقِي عِنْدَهُ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَسْقِيَنَا فَفَعَلَ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَتَشَفَّعُوا بِصَاحِبِهِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ بِمَاءٍ غَزِيرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهِ نَحْوَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ الْوُصُولَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَكِبَارِ التَّابِعِينَ لَمْ تَكُنِ الْأَحَادِيثُ مُدَوَّنَةً ; لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَصْحَابَهُ مِنْ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ مَخَافَةَ خَلْطِهِ بِالْكَلَامِ الْقَدِيمِ، وَأَيْضًا دَائِرَةُ حِفْظِهِمْ كَانَتْ وَاسِعَةً بِبَرَكَةِ صُحْبَتِهِ، وَقُرْبِ مُدَّتِهِ، وَأَيْضًا أَكْثَرُهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَارِفِينَ بِصَنْعَةِ الْكِتَابَةِ، فَظَهَرَ فِي آخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ تَدْوِينُ الْأَحَادِيثِ، وَالْأَخْبَارِ، وَتَصْنِيفُ السُّنَنِ، وَالْآثَارِ، وَتَصَدَّوْا لِهَذَا الْأَمْرِ الشَّرِيفِ كَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ دَأْبُهُمْ تَصْنِيفَ كُلِّ بَابٍ عَلَى حِدَةٍ إِلَى عَهْدِ كِبَارِ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ، فَأَلَّفُوا الْحَدِيثَ عَلَى تَرْتِيبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، فَصَنَّفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ مُقَدَّمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُوَطَّأَهُ، وَجَمَعَ فِيهِ أَحَادِيثَ أَهْلِ الْحِجَازِ مِمَّا ثَبَتَ وَصَحَّ عِنْدَهُ، وَأَدْرَجَ فِيهِ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ، وَفَتَاوَى التَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَصَنَّفَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: أَبُو حَامِدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ. وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ. وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَمِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَبُو سَلَمَةَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَبَعْدَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ أَلَّفَ كِتَابًا. وَكَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ كُبَرَاءِ الْمُحَدِّثِينَ مَسَانِيدَهُمْ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى تَرْتِيبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، لَكِنْ فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُمَيَّزِ الصَّحِيحُ، وَالضَّعِيفُ، وَلَمَّا اطَّلَعَ الْبُخَارِيُّ عَلَى تَصَانِيفِهِمْ حَصَلَ لَهُ الْعَزْمُ بِطَرِيقِ الْجَزْمِ لِتَحْصِيلِ الْحَزْمِ عَلَى تَأْلِيفِ كِتَابٍ يَكُونُ جَمِيعُ أَحَادِيثِهِ صَحِيحَةً، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ شَيْخِي إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ يَوْمًا فَقَالَ: لَوْ جَمَعْتُمْ كِتَابًا مُخْتَصَرًا بِصَحِيحِ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَقَعَ فِي قَلْبِي تَصْنِيفُ كِتَابٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ رُؤْيَاهُ أَيْضًا، فَشَرَعَ فِيهِ، فَلَمَّا كَمَّلَهُ عَرَضَهُ عَلَى مَشَايِخِهِ مِثْلِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَغَيْرِهِمُ اسْتَحْسَنُوهُ، وَشَهِدُوا بِصِحَّةِ كِتَابِهِ، وَأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي بَابِهِ، وَاسْتَثْنَوْا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 17
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست