responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 151
وَمِنْهَا: أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَّ بِذَلِكَ بَعْدَ انْدِفَاعِ مَوَاجِبِ الْكَسْبِ مِنْهُ، وَارْتِفَاعِ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ. وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّائِمَةَ كَانَتْ بَعْدَ سُقُوطِ الذَّنْبِ وَمُوجِبِ الْمَغْفِرَةِ. قِيلَ: مَذْهَبُ أَهْلِ الْجَبْرِ إِثْبَاتُ التَّقْدِيرِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَنَفْيُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَبْدِ أَصْلًا، وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى خِلَافِهِ، وَكِلَاهُمَا عَلَى شَرَفِ جُرُفٍ هَارٍ، وَالطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ الْقَصْدُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ إِذْ لَا يَجُوزُ إِسْقَاطُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ، وَلَا إِبْطَالُ الْكَسْبِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ. (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) : لِامْتِنَاعِ رَدِّ عِلْمَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ حَيْثُ أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ إِنَّمَا خَلَقَهُ لِلْأَرْضِ، وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ فِي الْجَنَّةِ بَلْ إِنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ لِيَكُونَ خَلِيفَتَهُ تَعَالَى فِيهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِعَادَتُهُ فَذْلَكَةٌ لِلتَّفْصِيلِ تَثْبِيتًا لِلْأَنْفُسِ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: فَحَجَّ أَوَّلًا تَحْرِيرٌ لِلدَّعْوَى، وَثَانِيًا إِثْبَاتٌ لَهَا، فَالْفَاءُ فِي الْأَوَّلِ لِلْعَطْفِ، وَفِي الْأَخِيرِ لِلنَّتِيجَةِ اهـ. وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَعْنَى. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

82 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: ( «إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيَكْتُبُ عَمَلَهُ، وَأَجَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرَهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
82 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ) : الْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةً لَا حَالِيَّةً لِتَعُمَّ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِكَ فَمَا أَحْسَنَ مَوْقِعَهُ هَاهُنَا. وَمَعْنَاهُ الصَّادِقُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ حَتَّى قَبْلَ النُّبُوَّةِ لِمَا كَانَ مَشْهُورًا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِمُحَمَّدٍ الْأَمِينِ. الْمَصْدُوقُ فِي جَمِيعِ مَا أَتَاهُ مِنَ الْوَحْيِ الْكَرِيمِ صَدَّقَهُ زِيدُ رَاسَتْ كَفَتْ بَاوَزِيدَ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ: (فَصَدَقَنِي) . وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ» ) ، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ: «سَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقَكَ» ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. كَذَا قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا قِيلَ: إِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدٌ إِذْ يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُخَصَّ بِهِ. (إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ التَّحْدِيثِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْ: مَادَّةُ خَلْقِ أَحَدِكُمْ، أَوْ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ أَحَدُكُمْ (يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) أَيْ: يُقَرَّرُ وَيُحْرَزُ فِي رَحِمِهَا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَمْعِ مُكْثُ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ (أَرْبَعِينَ يَوْمًا) : يَتَخَمَّرُ فِيهَا حَتَّى يَتَهَيَّأَ لِلْخَلْقِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفُرٍ وَشَعْرٍ، ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا، وَالصَّحَابَةُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِتَفْسِيرِ مَا سَمِعُوهُ، وَأَحَقُّهُمْ بِتَأْوِيلِهِ، وَأَكْثَرُهُمُ احْتِيَاطًا، فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدِهِمْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّ تَفْسِيرُ الْجَمْعِ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ خَلْقَ عَبْدٍ فَجَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عِرْقٍ وَعُضْوٍ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ جَمَعَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ كُلَّ عِرْقٍ لَهُ دُونَ آدَمَ {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] » ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ قَالَ لَهُ: وَلَدَتِ امْرَأَتِي غُلَامًا أَسْوَدَ: ( «لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ» ) . وَأَصْلُ النُّطْفَةِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ؛ سُمِّيَ بِهَا الْمَنِيُّ لِقِلَّتِهِ، وَقِيلَ لِنَطَافَتِهِ أَيْ: سَيَلَانِهِ لِأَنَّهُ يَنْطُفُ نَطْفًا أَيْ: يَسِيلُ. قَالَ الصُّوفِيَّةُ: خُصُوصِيَّةُ الْأَرْبَعِينَ لِمُوَافَقَتِهِ تَخْمِيرَ طِينَةِ آدَمَ، وَمِيقَاتِ مُوسَى، ثُمَّ إِنَّهُ يُعْجَنُ النُّطْفَةُ بِتُرَابِ قَبْرِهِ كَمَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] أَنَّ الْمَلَكَ يَأْخُذُ مِنْ تُرَابِ مَدْفَنِهِ فَيُبَدِّدُهَا عَلَى النُّطْفَةِ، وَلِكَوْنِهِ سُلَالَةً مِنَ الطِّينِ جَاءَ مُخْتَلِفَ الْأَلْوَانِ وَالْأَخْلَاقِ حَسَبَ اخْتِلَافِ أَجْزَاءِ الطِّينِ، بَلْ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُرَّكَبَاتِ مِنَ الطِّينِ فِيهِ حِرْصُ النَّمْلَةِ، وَالْفَأْرَةِ، وَشَهْوَةُ الْعُصْفُورِ، وَغَضَبُ الْفَهْدِ، وَكِبْرُ النَّمِرِ، وَبُخْلُ الْكَلْبِ، وَشَرَهُ الْخِنْزِيرِ، وَحِقْدُ الْحَيَّةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ذَمَائِمِ الصِّفَاتِ، وَفِيهِ شَجَاعَةُ الْأَسَدِ، وَسَخَاوَةُ الدِّيكِ، وَقَنَاعَةُ

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 151
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست