استقيموا، فقد سبقتم سبقاً بعيداً، وإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً)) رواه البخاري.
277- (80) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تعوذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله، وما جب الحزن؟ قال: وادٍ في جهنم، يتعوذ منه جهنم كل يوم أربع مائة مرة، قيل: يا رسول الله، ومن يدخلها؟ قال: القراء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والسنة العباد. (استقيموا) أي على جادة الشريعة، أي اسلكوا طريق الاستقامة، بأن تتمسكوا بأمر الله فعلاً وتركاً. (فقد سبقتم) بفتح السين والموحدة، قال الحافظ: هو المعتمد، وحكي بضم السين وكسر الباء مبنياً للمفعول، والمعنى على الأول: اسلكوا طريق الاستقامة؛ لأنكم أدركتم أوائل الإسلام، فإن تتمسكوا بالكتاب والسنة، تسبقوا إلى كل خير؛ لأن من جاء بعدكم إن عمل بعملكم لم يصل إليكم لسبقكم إلى الإسلام، ومرتبة المتبوع فوق مرتبة التابع، وإلا فهو أبعد منه حساً وحكماً. وعلى الثاني: أي سبقكم المتصفون بتلك الاستقامة إلى الله، فكيف ترضون لنفوسكم هذا التخلف المؤدي إلى الانحراف عن سنن الاستقامة يميناً وشمالاً، الموجب للهلاك الأبدي. (سبقاً بعيداً) أي ظاهر التفاوت. (وإن أخذتم يميناً وشمالاً) أي خالفتم المذكور بالإعراض عن الجادة والانحراف عن طريق الاستقامة. (فقد ضللتم ضلالاً بعيداً) أي عن الحق بحيث يبعد رجوعكم عنه إليه، وكلام حذيفة منتزع من قوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [6: 153] ، والذي له حكم الرفع من حديث حذيفة هذا الإشارة إلى فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين مضوا على طريق الاستقامة. (رواه البخاري) في الاعتصام، وأخرجه أيضاً أبونعيم في المستخرج، وابن أبي شيبة، وابن عساكر بنحوه.
277- قوله: (من جب الحزن) "الجب" بضم الجيم وتشديد الموحدة، البئر التي لم تطو، و"الحزن" بفتحتين أو بضم فسكون ضد الفرح، أي من بئر فيها الحزن لا غير، قال الطيبي: جب الحزن علم والإضافة كما في دار الإسلام، أي دار فيها السلامة من كل حزن وآفة. (قال وادٍ) أي هو وادٍ عميق يشبه البئر من كمال عمقه. (يتعوذ منه) أي من شدة عذابه. (جهنم) أي سائر أودية جهنم. قيل: ينبغي أن يراد بجهنم ما أعد فيها لتعذيب العصاة من المسلمين، لا الكفرة والمنافقين. قال الطيبي: التعوذ من جهنم هنا كالنطق منها في قوله تعالى: {وتقول هل من مزيد} [50: 30] ، وكالتميز والتغيظ: {تكاد تميز من الغيظ} [67: 8] ، والظاهر أن يجري ذلك على المتعارف؛ لأنه تعالى قادر على كل شيء. (كل يوم) يحتمل النهار والوقت. (أربع مائة مرة) هذا لفظ ابن ماجه، وفي رواية الترمذي ((مائة مرة)) ، ولامنافاة؛ لأن القليل لا ينافي الكثير، وهو يحتمل التحديد والتكثير. (ومن يدخلها) أي تلك البقعة المسماة بجب الحزن، وهو عطف على محذوف، أي ذلك شيء عظيم هائل. فمن الذي يستحقها؟ ومن الذي يدخل فيها؟ (القراء) جمع قارئ، والمراد العلماء