96- (18) وعن عبد الله بن عمرو قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يديه كتابان فقال: ((أتدرون ما هذان الكتابان؟ قلنا: لا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن تخبرنا. فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخه، وابن جرير في تفسيره، وابن حبان في صحيحه وغيرهم، وفي الباب عن ابن عباس وسيأتي حديثه، وعبد الله ابن عمرو وأبي هريرة وهشام بن حكيم وأبي أمامة، ذكر أحاديثهم ابن كثير في تفسيره.
96- قوله: (وفي يديه) وفي بعض النسخ "وفي يده" بالإفراد كما في أكثر نسخ المصابيح وكما في مسند أحمد وجامع الترمذي، فيراد بها الجنس والواو للحال (كتابان) هو محمول على الحقيقة من دون شائبة المجاز والتأويل، فوجود الكتاب حق ثابت فإن الله تعالى قادر على كل شيء، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مستعد لإدراك المعاني الغيبية، فلا نستبعد وقوعه بل نثق بما نشاهده ونراه بل أزيد منه. قال الغزالي في كيمياء السعادة: امتياز الخواص من العوام بشيئين: الأول ما يحصل للعوام من العلوم بالكسب والتعلم، فهو يحصل لهم من عند الله تعالى من غير تكسب وتعلم، ويقال له: العلم اللدنى كما قال تعالى: {وعلمناه من لدنا علما} ، والثاني: أن كل ما يراه العامة في المنام يراه الخواص في اليقظة، وحكايات المشايخ في هذا الباب كثيرة جداً، وإذا كانت هذه الحالة وتلك الرتبة حاصلة لخواص عباد الله ولا نستبعد وقوعها لكمل أمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف بمن هو سيد المرسلين وأعلاهم رتبة وأعززهم علماً وأوفرهم حظاً - صلى الله عليه وسلم -، بل ظاهر الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أرى هذين الكتابين للصحابة أيضاً، ولكن لم يعلموا بما فيها من المطالب بالتفصيل. وقال المشائخ: من لا يعتقد ذلك فهو ليس بمؤمن بحقيقة النبوة - انتهى. وقيل: ذلك تمثيل وتصوير وتعبير عن المعنى بالصورة ومبالغة في تحقيقه والتيقن به، والمتكلم إذا أراد أن يحقق قوله ويفهمه غيره ويظهر المعنى الدقيق الخفي لمشاهدة السامع يصور بالصورة الظاهرة، ويشير إليه كالإشارة الحسية إلى المحسوس المشاهد، وإن لم يكن في الخارج وعالم الحس، فلما كوشف له - صلى الله عليه وسلم - بحقيقة هذا الأمر وأطلعه الله عليه إطلاعاً ولم يبق معه خفاء وشك وشبهة، مثل وصور المعنى الحاصل في قلبه بالشيء الحاصل في يديه مع أنه ليس في الخارج كتاب ولا مكتوب. قلت: لا حاجة إلى حمل الكتاب والإشارة في الحديث على المجاز ولا موجب لذلك فحمله على الحقيقة هو المعتمد. (فقال للذي في يده اليمنى) أي لأجله أو في شأنه أو عنه أو قال بمعنى أشار، فاللام بمعنى إلى. (هذا كتاب من رب العالمين) خصه بالذكر دلالة على أنه تعالى مالكهم وهم مملوكون، يتصرف فيهم كيف يشاء، فيسعد من يشاء ويشقى من يشاء، وكل ذلك عدل وصواب، فلا اعتراض لأحد عليه. (ثم أجمل) بالبناء للمجهول (على آخرهم) من قولهم أجمل الحساب: إذا تمم ورد التفصيل إلى الإجمال وأثبت في آخر الورقة مجموع ذلك وجملته، كما هو عادة المحاسبين أن يكتبوا الأشياء مفصلة ثم يوقعوا في آخرها فذلكة ترد التفصيل إلى الإجمال،