{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} الآية، قال عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسئل عنها فقال: ((إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من ظهورهم المذكور في الآية (وإذ أخذ) أي أخرج (من ظهورهم) بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار، وقيل: بدل بعض (الآية) بالحركات الثلاث. (يسئل) بصيغة المجهول (عنها) أي عن هذه الآية. (ثم مسح ظهره) أي ظهر آدم (بيمينه) يمر على ظاهره من غير تأويل وتكييف، قيل: شق ظهره واستخرجهم منه، والأقرب أنه أخرجهم من مسام شعرات ظهره إذ تحت كل شعرة ثقبة دقيقة يقال لها سم مثل سم الخياط وجمعه مسام، ويمكن خروج الذرية من هذه الثقبة كما يخرج منها العرق. (فاستخرج منه) ببطن نعمان وهو موضع بقرب عرفة كما سيأتي في الفصل الثالث من حديث ابن عباس (ذرية) الخ، حمل البيضاوي في تفسيره وفي شرحه للمصابيح، وغيره من أهل التأويل والاعتزال الآية على التصوير والتمثيل والتخييل، وقالوا: إنه لا قول ثم ولا شهادة حقيقة. قال الفخر الرازي: أطبقت المعتزلة على أنه لا يجوز تفسير هذه الآية بهذا الحديث؛ لأن قوله: "من ظهورهم" بدل من "بني آدم"، فالمعنى وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم، فلم يذكر أنه أخذ من ظهر آدم شيئاً، ولوكان المراد الأخذ من ظهر آدم لقيل من ظهره. وأجاب بأن ظاهر الآية يدل على أن الله تعالى أخرج الذرية من ظهور بني آدم، وأما أنه أخرج تلك الذرية من ظهر آدم فلا تدل الآية على إثباته ونفيه، والخبر قد دل على ثبوته فوجب القول بهما معاً بأن بعض الذر من ظهر بعض الذر والكل من ظهر آدم صوناً للآية والحديث عن الاختلاف - انتهى. وقال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله: إن الآية لا تخالف الحديث؛ لأن آدم أخذت عنه ذريته ومن ذريته ذريتهم إلى يوم القيامة على الترتيب الذي يوجدون عليه، فذكر في القرآن بعض القصة وبين الحديث تتمتها. وقال العلامة الشعراني في الجواب عن إشكال المخالفة: إن هذا شيء يتعلق بالنظم، وذلك أنه لم يقل من ظهر آدم وإن أخرجوا من ظهره؛ لأن الله تعالى أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهر بعض على طريق ما يتناسل الأبناء من الآباء، فاستغنى به عن ذكر آدم استغناءً بظهور ذريته، إذ ذريته خرجوا من ظهره. ويحتمل أن يقال إنه أخرج ذرية آدم بعضهم من بعض في ظهر آدم ثم أخرجهم جميعاً فيصح القولان جميعاً، فإذا قال أخرجهم من ظهورهم صح، وإذا قال أخرجهم من ظهره صح أيضاً، ومثال ذلك من أودع جوهرة في صدفة ثم أودع الصدفة في خرقة وأودع الخرفة مع الجوهرة في حقة وأودع الحقة في درج وأودع الدرج في صندوق ثم أدخل يده في الصندوق فأخرج منه تلك الأشياء بعضها من بعض ثم أخرج الجميع من الصندوق، فهذا لا تناقض فيه. قال: وإن جوابهم أي جواب الذرية بلفظ "بلى شهدنا" المذكور في الآية كان بالنطق وهم أحياء، إذ لا يستحيل في العقل أن يؤتيهم الله الحياة والعقل والنطق مع صغرهم، فإن بحار قدرته واسعة، وغاية وسعنا في كل مسئلة أن نثبت الجواز ونكل كيفيتها إلى الله تعالى. فإن قيل: إذا قال الجميع "بلى" فلم قبل قوم ورد قوم؟ فالجواب كما قال