ولكن في التحريش بينهم)) ، رواه مسلم.
{الفصل الثاني}
73- (11) عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل فقال: ((إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به. قال: الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في الجواب: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر عنهم أنهم لا يفعلون ذلك، وإنما أخبر عن اليأس الذي استشعر بالشيطان عنهم أن يعودوا في طاعته لما رآى من كثرتهم وعزتهم واجتماعهم وقوتهم، لكنه وقع ذلك مع يأسه منه، فلا تضاد بين هذا الحديث وبين القضية التي ذكرت، يعني أن قصده - صلى الله عليه وسلم - بسياق هذا الحديث هو الإخبار عن بلوغ أمر المسلمين ودولتهم حداً أيس الشيطان أن يقع الارتداد بعده، وليس غرضه - عليه الصلاة والسلام - الإخبار من عدم وقوع الارتداد البتة. قال صاحب اللمعات: وفيه بُعد أيضاً لأن الظاهر من يأسه هو عدم الوقوع، فهو كناية عنه. قال: ويمكن أن يقال: إن معني الحديث: أن الشيطان أيس من أن يستبدل دين الإسلام، وينهدم أساس الدين، ويظهر الإشراك ويستمر، ويسير الأمر كما كان من قبل، ولا ينافيه ارتداد من ارتد بل لو عبد الأصنام أيضاً لم يضر في المقصود. (ولكن في التحريش) خبر لمبتدأ محذوف، أي هو في التحريش، أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش (بينهم) أي في إغراء بعضهم على بعض، والتحريض بالشر بين الناس من قبل وخصومة، فهو لإيذائهم بالمرصاد. قيل: ولعله - صلى الله عليه وسلم - أخبر عما جرى فيما بعده من التحريش الذي وقع بين أصحابه، أي لكن الشيطان غير آيس من إغراء المؤمنين الساكنين فيها وحملهم على الفتن، بل له مطمع في ذلك، وكان كما أخبر فكان معجزة له - صلى الله عليه وسلم -. (رواه مسلم) في صفة القيامة، وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي في أبواب البر والصلة.
73- قوله: (إني أحدث نفسي) أي أكلمها بالسر أي توسوسني (بالشيء) هو في قوة النكرة معنى وإن كان معرفة لفظاً؛ لأن "ال" فيه للجنس مثل قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
والجملة الاسمية بعده صفة له، وهي قوله: (لأن أكون حممة) بضم ففتح أي فحما (أحب إلي من أن أتكلم به) أي أحدث نفسي بشيء لكوني حممة أحب إلي من التكلم بذلك الشيء من غاية قبحه لتعلقه بالخوض في ذات الله تعالى، وما لا يليق به سبحانه من تجسيم وتشبيه وتعطيل ونحوها، واللام للقسم أو للابتداء (قال) - صلى الله عليه وسلم - (الحمد لله) شكراً لما أنعم الله عليه وعلى أمته (الذي رد أمره إلى الوسوسة) قال القاري: الضمير فيه يحتمل أن يكون للشيطان وإن لم يجر له ذكر لدلالة السياق عليه، ويحتمل أن يكون للرجل، والأمر يحتمل أن يكون واحد الأوامر وأن يكون بمعنى الشأن، يعني كان