responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح الباري المؤلف : العسقلاني، ابن حجر    الجزء : 5  صفحة : 378
يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ إِلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَو أوصى لشخص بِأَلْفٍ مَثَلًا وَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ وَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ أَنَّ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ دَيْنًا يَسْتَغْرِقُ مَوْجُودَهُ وَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ فَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ ثُمَّ قَدْ نَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي إِطْلَاقِ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ تَرْتِيبٍ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَوَارِيثَ إِنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ قَضَاءِ الدّين وانفاذ الْوَصِيَّةِ وَأَتَى بِأَوْ لِلْإِبَاحَةِ وَهِيَ كَقَوْلِكَ جَالِسْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا أَيْ لَكَ مُجَالَسَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا اجْتَمَعَا أَوِ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ لِمَعْنًى اقْتَضَى الِاهْتِمَامَ لِتَقْدِيمِهَا وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ التَّقْدِيمِ سِتَّةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا الْخِفَّةُ وَالثِّقَلُ كَرَبِيعَةَ وَمُضَرَ فَمُضَرُ أَشْرَفُ مِنْ رَبِيعَةَ لَكِنْ لَفْظُ رَبِيعَةَ لَمَّا كَانَ أَخَفَّ قُدِّمَ فِي الذِّكْرِ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى اللَّفْظِ ثَانِيهَا بِحَسَبِ الزَّمَانِ كَعَادٍ وَثَمُودَ ثَالِثُهَا بِحَسَبِ الطَّبْعِ كَثَلَاثٍ وَرُبَاعٍ رَابِعُهَا بِحَسَبِ الرُّتْبَةِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَقُّ الْبَدَنِ وَالزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَالْبَدَنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَالِ خَامِسُهَا تَقْدِيمُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَزِيزٌ حَكِيمٌ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ عَزَّ فَلَمَّا عَزَّ حَكَمَ سَادِسُهَا بِالشَّرَفِ وَالْفضل كَقَوْلِه تَعَالَى من النَّبِيين وَالصديقين وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ تَقْدِيمَ الْوَصِيَّةِ فِي الذِّكْرِ عَلَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا تَقَعُ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ غَالِبًا بَعْدَ الْمَيِّتِ بِنَوْعِ تَفْرِيطٍ فَوَقَعَتِ الْبُدَاءَةُ بِالْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا أَفْضَلَ وَقَالَ غَيْرُهُ قُدِّمَتِ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا شَيْءٌ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالدَّيْنَ يُؤْخَذُ بِعِوَضٍ فَكَانَ إِخْرَاجُ الْوَصِيَّةِ أَشَقَّ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ إِخْرَاجِ الدَّيْنِ وَكَانَ أَدَاؤُهَا مَظِنَّةَ التَّفْرِيطِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَارِثَ مُطْمَئِنٌّ بِإِخْرَاجِهِ فَقُدِّمَتِ الْوَصِيَّةُ لِذَلِكَ وَأَيْضًا فَهِيَ حَظُّ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ غَالِبًا وَالدَّيْنُ حَظُّ غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بِقُوَّةٍ وَلَهُ مَقَالٌ كَمَا صَحَّ أَنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَقَالًا وَأَيْضًا فَالْوَصِيَّةُ يُنْشِئُهَا الْمُوصِي مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَقُدِّمَتْ تَحْرِيضًا عَلَى الْعَمَلِ بِهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ مَطْلُوبٌ أَدَاؤُهُ سَوَاءٌ ذُكِرَ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ وَأَيْضًا فَالْوَصِيَّةُ مُمْكِنَةٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ بِلُزُومِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ فَيَشْتَرِكُ فِيهَا جَمِيعُ الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهَا تَقَعُ بِالْمَالِ وَتَقَعُ بِالْعَهْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَلَّ مَنْ يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ وَمَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يَقِلُّ وُقُوعُهُ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي اللَّفْظِ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُمَا مَعًا قَدْ ذُكِرَا فِي سِيَاقِ الْبَعْدِيَّةِ لَكِنَّ الْمِيرَاثَ يَلِي الْوَصِيَّةَ فِي الْبَعْدِيَّةِ وَلَا يَلِي الدَّيْنَ بَلْ هُوَ بَعْدَ بَعْدِهِ فَيَلْزَمُ أَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ فِي الْأَدَاءِ ثُمَّ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ الْمِيرَاثَ فَيَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقَعُ بَعْدَ الدَّيْنِ حَالَ الْأَدَاءِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْلِيَّةِ فَتَقْدِيمُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي اللَّفْظِ وَبِاعْتِبَارِ الْبَعْدِيَّةِ فَتُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ لَا يُوصِي الْعَبْدُ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ وَصله بن أبي شيبَة من طَرِيق شبيب بن عرقدة عَن جُنْدُب قَالَ سَأَلَ طهْمَان بن عَبَّاسٍ أَيُوصِي الْعَبْدُ قَالَ لَا إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَوْصُولًا فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ كِتَابِ الْعتْق من حَدِيث نَافِع عَن بن عمر وَأَرَادَ البُخَارِيّ بذلك تَوْجِيه كَلَام بن عَبَّاس الْمَذْكُور قَالَ بن الْمُنِيرِ لَمَّا تَعَارَضَ فِي مَالِ الْعَبْدِ حَقُّهُ وَحَقُّ سَيِّدِهِ قُدِّمَ الْأَقْوَى وَهُوَ حَقُّ السَّيِّدِ وَجُعِلَ الْعَبْدُ مَسْئُولًا عَنْهُ وَهُوَ أَحَدُ الْحَفَظَةِ فِيهِ فَكَذَلِكَ حَقُّ الدَّيْنِ لَمَّا عَارَضَهُ حَقُّ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنُ وَاجِبٌ وَالْوَصِيَّةُ تَطَوُّعٌ وَجَبَ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ فَهَذَا وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْأَثَرِ وَالْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي كتاب الزَّكَاة قَالَ بن الْمُنِيرِ وَجْهُ دُخُولِهِ فِي هَذَا

اسم الکتاب : فتح الباري المؤلف : العسقلاني، ابن حجر    الجزء : 5  صفحة : 378
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست