قوله: " أو جلس في أرضه التي ولد فيها" وفي رواية: " في بيته".
والمعنى: أنه بقي في بلده يعبد ربه، ولا يشرك به شيئاً، ولم يهاجر إلى المدينة النبوية، وذلك أن الهجرة كانت فرضاً على كل قادر، فلما فتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وأصبحت جزيرة العرب كلها دار إسلام، إلا القليل، نسخت الهجرة لأجل ذلك، ولكن حكمها باق إلى يوم القيامة.
قال الحافظ: " فيه تأنيس لمن حرم الجهاد، وأنه ليس محروماً من الجر، بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة، وإن قصر عن درجة المجاهدين" [1] .
قوله: " فقالوا: يا رسول الله، أفلا ننبئ الناس بذلك؟ " رأوا أن هذا فيه بشارة للمسلمين، وتسهيل عظيم عليهم، في عدم لزوم الهجرة، فإن ترك الوطن، والأهل والأقارب، والمألوفات، كل ذلك يشق على النفس، ولا يقوى عليه كل أحد.
قال الحافظ: " الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل – كما في رواية الترمذي- أو أبو الدرداء، كما وقع عند الطبراني، وأصله في النسائي، لكن فيه: فقلنا" [2] .
قوله: " إن في الجنة مائة درجة " جاء في رواية الترمذي، عن معاذ، " قلت: يا رسول الله، ألا أخبر الناس؟ قال: " ذر الناس يعملون، فإن في الجنة مائة درجة" [3] .
فظهر أن المراد: لا تبشر الناس بما ذكر من دخول الجنة، لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه، فيقفوا عند ذلك، ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد، وهذه هي النكتة في قوله: " أعدها الله
(1) "الفتح" (6/12) .
(2) "الفتح" (6/12) . [3] انظر "السنن للترمذي" (4/82) .