فيقال له: أما قولك: كيف استوى؟ فإن الله لا يجري عليه كيف، وقد أخبرنا أنه استوى على العرش، ولم يخبرنا كيف استوى، فوجب على المؤمنين أن يصدقوا ربهم، باستوائه على العرش، وحرم عليهم أن يصفوا كيف استوى؛ لأنه لم يخبرهم
كيف ذلك، ولم تره العيون في الدنيا فتصفه بما رأت، وحرم عليهم أن يقولوا عليه من حيث لا يعلمون.
فآمنوا بخبره عن الاستواء، ثم ردوا علم "كيف استوى" إلى الله.
ولكن يلزمك - أيها الجهمي- أن تقول: إن الله محدود، وقد حوته الأماكن، إذا زعمت في دعواك، أنه في الأماكن، لأنه لا يعقل شيء في مكان، إلا والمكان قد حواه، كما تقول العرب: فلان في البيت، والماء في الجب، فالبيت قد حوى فلاناً، والجب قد حوى الماء.
ويلزمك اشنع من ذلك؛ لأنك قلت أفظع مما قالت به النصارى، وذلك أنهم قالوا: إن الله - عز وجل - في عيسى، وعيسى بدن إنسان واحد، وكفروا بذلك، وأنتم تقولون: إنه في كل مكان، وفي بطون النساء كلهن، و {في} بدن عيسى، وأبدان الناس كلهم.
ويلزمك أيضاً أن تقول: إنه في أجواف الكلاب، والخنازير، لأنها أماكن، وعندك أن الله في كل مكان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً" [1] .
وقال أبو الحسن الأشعري في "الإبانة": " إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل: نقول: إن الله - عز وجل - مستو على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [2] ، وقال -تعالى-: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} [3] ، فالسموات فوقها العرش، فلما كان
(1) "درء تعارض العقل والنقل" (6/115-118) . [2] الآية 5 من سورة طه. [3] الآية 16 من سورة الملك.